||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (8)

 335-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (10) العدل والإحسان كمنهج في الحياة

 14- (وإنك لعلى خلق عظيم) وبعض الأسرار في الآية الشريفة

 306- الاهتداء إلى سُبُل السَّلام والصراط المستقيم

 395- فائدة أصولية: مرجحات الصدور ومرجحات المضمون

 157- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (4) : علم الهيئة- علم الطب- علم الحساب

 260- مباحث الاصول: بحث الحجج (حجية الشهرة) (2)

 من احكام الخطابة واقسامها ومقدماتها

 446- فائدة عقائدية: حقيقة الوحي وعلم النبي (صلى الله عليه وآله) به

 دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (14)



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23709472

  • التاريخ : 29/03/2024 - 10:31

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 171- العزة دِينامو الحضارات تجليات (العزة) فقهياً ، قانونياً وأخلاقياً .

171- العزة دِينامو الحضارات تجليات (العزة) فقهياً ، قانونياً وأخلاقياً
الأربعاء 30 محرم الحرام 1435هـ


 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين سيما خليفة الله في الأرضين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم 
 
(العزة) باعث نهضة الأمم وسر صعود الحضارات 
 
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) 
 
تجليات العزة وأبعادها 
 
عنوان البحث ومحوره بإذنه تعالى: العزة هي المحرك وهي دينامو الحضارات والأمم والمجتمعات والشعوب والعوائل والأفراد. 
 
وقد مرّ بنا أن العزة رفعة في النفس ولها تجلّيات، وأن الذلة: دناءة في النفس ولها تمظهرات. 
 
وسوف نتحدث في هذا الفصل عن بعض تجليات العزة، والتي منها: 
 
1- التجلي الأول: تجلي العزة كروح سيالة في البعد التشريعي وفي مسائل الفقه. 
 
2- التجلي الثاني: تجليها في الأبعاد القانونية. 
 
3- التجلي الثالث: تجليها في البعد الحضاري. 
 
4- التجلي الرابع: تجليها في الأبعاد الأخلاقية والروحية والمعنوية. 
 
5- التجلي الخامس: تجلي العزة في الحياة الشخصية. 
 
العزة من مبادئ التشريع 
 
وسيدور الحديث عن بعض هذه الأبعاد وبإيجاز، ونقول كمقدمة: 
 
ان العزة ـ على حسب ما يستظهر من هذه الآية الشريفة وآيات وروايات عديدة- تعد مبدءا من مبادئ التشريع وهي تلك المبادئ التي لها جهة الاقتضاء للتشريع، لا العلية التامة، فالعزة كالإحسان، والذي هو اصل من أصول الدين، وكذلك العدل فانه اصل من اصول الدين ـ وليس مقصودنا هنا من الأصول المعنى المصطلح عليه في علم الكلام بل نقصد انها أساس من أسس الدين ـ فالكرامة والعزة أيضًا أصل، أي أساس من أسس الدين. 
 
ولا نتوقف عند هذه الكلمة طويلا، ونكتفي بهذا المقدار من الإشارة، ونوكل بحثه إلى ما ذكرناه في (مباحث الأصول: مبادئ الاستنباط). 
 
1- من تجليات العزة في البعد التشريعي. 
 
إذا تتبعنا الفقه نجد أن الشارع الأقدس بنى الكثير من مسائله على العزة فقهيا، 
 
أ- لماذا لا يجوز للكافر ان يعلو ببنائه على المسلمين 
 
ومنها: أنه لا يجوز للذمّي- فكيف بالكافر غير الذمي- أن يعلو ببناءه على بناء المسلمين، كما يقول صاحب الجواهر، بلا خلافٍ([1])، بل يقول صاحب (المسالك): إجماعًا من المسلمين شيعة وسنة([2]). 
 
فلو ان ذمّيا في العراق أو في مصر أو في غيرها عمل بشرائط الذمة، فانه مع ذلك لا يجوز له أن يعلو ببنائه على بناء المسلمين، لمَ؟ 
 
الجواب: هناك فلسفة حضارية عميقة كامنة وراء ذلك، وليست القضية مجرّد التقييد على الذمي، إنما القضية في جانب من فلسفتها وحكمتها ان الشارع الأقدس يريد ان يشعرك بهويتك وبعزتك ويريد ان يوجد منطلقات ومنصات تنبهك على أنك ايها المسلم عزيز ولا يصح لك أن تكون ذليلًا حتى في هذا المظهر- حيث أن البناء مظهر من المظاهر-، إلا انه مظهر يرمز إلى مخبر وأبعاد. 
 
فإذا كان الإسلام يمنع أن يكون المسلم ذليلًا حتى في هذه المسألة الشكلية الظاهرية، فكيف يسمح له بان يقبل سلطة الأجانب عليه؟!! 
 
وكيف يسوّغ له ان يقبل أن تكون الدول الكبرى هي المسيطرة والمهيمنة على شؤون البلاد؟ 
 
ومنها: انه لو انهدم بناء هذا الذمّي، فانه بالإجماع أيضاً لا يجوز له أن يبنيه أرفع من بناء المجاورين له من المسلمين، وذلك إجماعاً كما عن المنتهى ومحكي التذكرة. 
 
نعم، هناك استثناء واحدة وله حكمة أيضًا وهو ان له أن يشتري بناءً جاهزًا من المسلم يكون أعلى من بناء مجاوريه من المسلمين، كما افتى بذلك جميع كبير من الفقهاء([3])، والتخريج القانوني العقلي للمسألة هو: أن الشارع أراد أن يجمع بين الحقوق: حق الواقع والمنهج الصحيح وحتى الذمي انطلاقاً من مصلحة التيسير. 
 
اما حق الواقع والمنهج الصحيح: فلأنه لو حكم منهج الإسلام الصحيح (لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)، ولكان الكافر أسعد حالًا مما هو في حكومة الكفر وإن كانت بلاده أرقى دول العالم – فرضًا - في البعد الديموقراطي الذي يقولون، فان سعادته الحقيقية والشاملة مرتهنة باتباع الحق وباتباع الدين القيم، واما حقه الظاهري فاننا نجد ان الشارع رغم ذلك جعل له مخرجًا بشراء البناء الجاهز الأعلى لو أراد فجمع بذلك بين الحقين: رعاية الحق الواقعي ورعاية الحق الظاهري لهذا الإنسان الذي لم يستسلم للحق ولم يقبله، فهناك مخرج إذن، كما أن الشارع في مختلف المسائل جعل لحكمة التسهيل مخرجاً، وهذه القضية لها بحث طويل نوكله لمحله. 
 
ب – لا ولاية للكافر على ابنته 
 
ومنها: ان البنت البكر الرشيدة، هل تملك أمرها في الزواج؟ هناك عدة أقوال: 
 
القول الأول يرى أن أمرها بيد وليها([4])، فهو مستقل بأمرها لكن بما هو صالح لها، وما فيه غبطتها. 
 
الرأي الثاني: هما شريكان، 
 
والرأي الثالث: أنها مستقلة بالأمر([5]). 
 
وعلى الرأيين الأولين فانه لو كان أبوها كافرًا وكانت هي مسلمة فلا ولاية له عليها، يقول تعالى: (لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فالشارع لم يسمح بأن يكون ولي المرأة المؤمنة كافراً وإن كان أبًا رحيمًا بابنته - والأب عادة وإن يكن كافرًا فهو يحب ابنته طبيعيًا – فلا يصح أن يكون وليّ أمرها كافراً وإن كان يعمل على صالحها، فكيف يرضى الشارع للمسلم، لأتباع أهل البيت، أن يكونوا تحت هيمنة الأجنبي؟ الهيمنة العسكرية، الهيمنة الإعلامية، اليست هناك هيمنة علينا الآن؟ ألم يعلوا علينا أعلاميًا؟ أليست اليد الطولى في الإعلام لهم؟ أليست اليد الطولى في العسكرتارية لهم؟ أليست اليد الطولى في السياسة لهم؟ وأليست اليد الطولى في الاقتصاد لهم؟ بل تجدهم الآن يُركِعون دولنا بالاقتصاد. 
 
يقول الامير صلوات الله عليه: ((اسْتَغْنِ بِاللَّهِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ وَ احْتَجْ إِلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ وَ أَفْضِلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ))([6]). 
 
أين العزة إذًا في هذا؟ 
 
أن المسلم لو كان مؤمنًا حقًا ولو عمل بمقتضيات إيمانه، وإذا كان المسلمون يعملون بالإسلام حقًا لكان الأمر بالعكس بل لوجدنا الغرب سيدخل في دين الله أفواجًا، والحديث حول هذا الحقل أيضاً طويل نكتفي بهذا المقدار. 
 
وهناك أمثلة كثيرة لتجلي العزة فقهياً ويمكن أن تتبعوا (الجواهر) وغيره لكي تستكشفوا سائر تجليات العزة في الفقه فلنذكر مثالاً آخر فقط: 
 
ج – لا شفعة للكافر على المسلم 
 
ومنها: ما جاء في كتاب (الشُفعة)، فلو كان شخصان يملكان دارا([7]) وكانا كافرين – في مثالنا- ذميين، فأراد أحدهما ان يبيع حصته لمسلم، فلا يملك هذا الشريك حق الشفعة مع ان حق الشفعة ثابت للشريكين كما هو واضح، إذ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) كما يستدل صاحب الجواهر([8]) وغيره بـ(وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وبـ(الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)، مع ان قضية الشفعة بسيطة جدًا وجزئية. 
 
وان هذه الدار الشريك هو الأولى بشرائها من الغير في الصور الاعتيادية، من شريكه فيما لو أراد آخر ان يشتريها فيدخل عليه، اما إذا كان المسلم هو المشتري فلا ولاية له – أي الشريك - على حصة شريكه، وهكذا والأمثلة كثيرة. 
 
إذًن العزة تكمن وراء سلسلة من التشريعات والأحكام الفقهية، هذا أولا. 
 
2- من تجليات العزة في البعد القانوني . 
 
قانونيا نجد ان العزة وراء سلسلة من التشريعات القانونية، وقد فرقّنا بين الفقه والقانون حسب المصطلح الحديث، لا على حسب الدارج الفقهي والشواهد على ذلك كثيرة، فلنقتصر على شاهد واحد: 
 
(الإجارة) حماية المظلوم في مواجهة الظالم 
 
(الإجارة) أي الحماية فانها حق قانوني شرعي مكفول تكمن وراءه معادلة العزة، ولنستشهد أولاً بالإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه حيث أن هذه أيام شهادته: 
 
إجارة الإمام المجتبى لسعيد في مواجهة زياد 
 
حيث ان سعيد ابن أبي سرح كان من أنصار امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، ثم بعد ذلك لاحقه زياد بن أبيه، - وتعرفون من هو زياد ومدى وحشيته وقساوته - لأنه كان شجاعًا مجاهرًا بالحق، فالتجأ إلى الإمام الحسن المجتبى صلوات الله تعالى عليه، فأجاره. 
 
وهنا نتوقف توقفاً هاماً فنقول: الإجارة مفهوم قانوني شرعي، وتكمن وراء هذا الحكم معادلة العزة: فان المؤمن عزيز، وله أن يجير كل مظلوم في مقابل الحكومة والسلطة والجيش وقوات الأمن، وإذا كان المؤمن العادي له قيمته فكيف بالعالم الرباني؟!!. 
 
الآن لنتساءل: هل قانونيًا – واذهبوا لتبحثوا عن ذلك في كل دول العالم- يوجد تشريع يكفل الإجارة الشرعي القطعي الذي عمل به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم وقد وردت إحدى مفرداته في القرآن الكريم (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ)، هل هذا المفهوم مطبق في العصر الحاضر في اي بلد من البلدان؟!! واستجارة أحد المشركين هي احدى المفردات، وهناك مفردة اخرى: (المظلوم)، فلو ان الحكومة الآن أصدرت قرارًا في أي بلد شرقي أو غربي باعتقال شخص، فهل تجد مصداقاً لمفهوم الإجارة وتطبيقا له والآن عندنا؟ 
 
نعم في العشائر وإلى حد ما يوجد بعض ذلك.. لكن هل يتصدى وجهاء المجتمعوعليّة القوم ومنهم العلماء وأساتذة الجامعة وغيرهم للإجارة سواءا أكانت الإجارة للخائف أم كانت للمظلوم؟ أم ان نظام الغرب هو الحاكم والمنهجية الغربية هي السارية؟ 
 
والغريب ان الغرب ركز السلطات بيد الحكومات (بالقوة وبالإقناع أيضًا لأن المناهج الدراسة تصوغ عقلية الطالب على ذلك) واستسلمنا لذلك، وبذلك حاول ان يفقد العلماء والوجهاء عزتهم وهيبتهم حتى بهذا المقدار. 
 
وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، هل لها أن تفرض حماية على المظلوم؟ كلا، لا يحق لها ذلك ؛ لأن الدولة هي التي لها المركزية، وهي ذات الصلاحية الكبرى والعظمى. 
 
وذلك كله يعني أنّ هذه الصلاحية التي كانت للشعب أُخِذت من الشعب وأعطيت بيد الحكومات ومن المشهور ان هذه الجهة – الحكومة - كانت على مر التاريخ مستبدة ظالمة. 
 
ان الحكومة العادلة نادرة جدا على امتداد التاريخ، كحكومة رسول الله والامام علي بن أبي طالب سلام الله عليه وابنه المجتبى عليهم صلوات الله وسلامه، لكن على مر التاريخ لا نجد لها مثيلا، فان الدول التي تدعي الديموقراطية نجدها كاذبة، لأن الظلم فيها إلى ما شاء الشيطان. 
 
ان مفهوم الإجارة تكمن وراءه قضية العزة، فالمؤمن عزيز وله أن يجير، بل له أن يجير جيشا، رغم وجود قائد الجيش الذي ينتمي له ذلك المؤمن، فانه ـ اي المؤمن ـ يجير الجيش الاخر - وهي مسألة فقهية مسلمة- نعم هناك كلام بين الفقهاء في تحديد عدد الذين بمقدوره ان يجيرهم([9]) وفي تحديد مدة الإجارة([10]). 
 
ان المؤمن عزيز وله كرامة وأية كرامة، لكن المشكلة تبدأ إذا لم أعرف أن لي هذه العزة وهذه الكرامة! 
 
العشائر الموازن الاستراتيجي لسلطة الحكومات 
 
السيد البروجردي رحمة الله تعالى عليه في إيران كان سدّا أمام الشاه وكان يهدده بعشائر الألوار– وكانوا يقدرون بمليوني شخص يمتلكون السلاح – لكن الاستعمار جاء وجرد العشائر في إيران والعراق وغيرهما، من السلاح متذرعًا بذرائع وقد يكون بعضها صحيحاً لكن الغاية كانت خبيثة، ولا ريب ان هناك تجاوزات في العشائر لكن تجاوزات الدولة أعظم وأعظم بما لا قياس وعلى مر التاريخ. 
 
لقد كانت العشائر الموازن الاستراتيجي للدولة، فإذا كانت الدولة تريد أن تظلم الناس، كان الناس يحتمون بالعشائر، وإذا أراد مرجع التقليد أن يقف أمام طغيان صدامٍ أو هدامٍ أو حجاجٍ أو هتلرٍ أو نمرودٍ، كان يستند ويتكئ للعشائر. 
 
لكن الاستعمار ومن ورائه أذنابه بخطة ذكية جاء ونسف العشائر بذريعة: ان هذه رجعية، وهذا تخلف، تقاليد بالية، إلخ، ولكن الواقع هو ان الاستعمار أراد أن يحكّم مستبدين كهؤلاء الذين تجدون من مصر إلى البحرين، حتى تبقى الحكومات تصول وتجول ظلما وفسادا بلا رادع ولا وازع. 
 
ولنعد مرة أخرى الى قصة سعيد: فلقد اجاره الإمام الحسن المجتبى صلوات الله تعالى عليه، ولكن وحيث ان زيادا كان طاغوتا مستبدا، فانه لما رأى ان الإمام الحسن صلوات الله تعالى عليه أجار سعيدا، دخل من مدخل خبيث آخر - كما هو شان الطغاة وكذلك يفعلون - فاعتقل زوجة سعيد بن أبي سرح، واعتقل ابنه ثم نقض داره وصادر أمواله. 
 
لكن الإمام الحسن عليه الصلاة وأزكى السلام تصدى لذلك أيضًا واتخذ موقفاً صارماً جداً من زياد فراجع التاريخ. 
 
والآن لنتسائل مرة أخرى: فأين هي الحماية التي ينبغي أن يوفرها العلماء وأساتذة الجامعة والمحامون والمفكرون والصحفيون وغيرهم من المثقفين والوجهاء للشعوب المضطهدة؟ أليست هذه مسؤوليتنا؟ فليكنوا – أولئك المظلومون وتلك الشعوب - في أي مكان، فليكونوا في هذا البلد او غيره. 
 
ان العزة هي للمؤمنين، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) وليست للغرب أو الشرق، ولكن تقع على عاتق المؤمن بما هو مؤمن عليه مسؤولية المحافظة على المظاهر والجواهر القانونية للعزة، وبعد ذلك اطمئنوا تماماً لو اننا كنا نفكر في أمثال هذا المفهوم ونتابع تحقق أمثال هذه الحقيقة لتغيَّر وجه الأرض، ولما كان هناك احد يتجرأ لينتهك بعض حرماتنا ومقدساتنا في مصر أو تونس أو ليبيا أو في العراق او في أي مكان آخر، ومع ذلك هل كان يجترئ أحد على أن يمنع إقامة مجلس عزاء؟ كما هو الحال الآن في مصر حيث يمنع، اوفي تونس وفي غيرها، لماذا؟ لأن هذه الحماية غير مبسوطة من قبل العلماء، ولا شك ان البعض قد لا يكون قادرًا، وليس كلامنا عن التشخيص المصداقي إنما كلامنا عن الحالة العامة، إذا لم أتصدَّ أنا لحماية كل شيعي، بل كل مسلم، بل كل إنسان مظلوم، فإن الجائر سيزيد من بسط سلطانه سيقبض بيد من حديد وبشكل اشد على كل مقاليد الأمور. 
 
هذا هو المظهر الثاني: والمظهر القانوني ومنه الإجارة، والحديث حول ذلك أيضاً طويل! 
 
3- من تجليات العزة في البعد الأخلاقي والمعنوي والروحي 
 
ان المؤمن ينبغي أن يكون عزيزًا اينما حلّ، فإذا كان المؤمن في بلد ما، وكانت هناك طوائف اخرى او أديان آخرى في تلك البلاد، فانه يجب أن يكون من منطلق العزة، أشدهم ورعا وأشدهم صدقا وأمانة وأشدهم وفاءً ورعاية للحدود وللحقوق، وأن يكون المثال الذي يشار إليه بالبنان، فهل الأمر الان كذلك؟ 
 
لاحظوا المسلمين في أمريكا، او في الهند، أو في العراق، هل كل مسلم هو الأفضل؟ كلا. 
 
ليس منا من كان في المائة ألف، أحدٌ أفضل منه! 
 
ولنتدبر هذه الرواية التي تشير إلى مظهر من مظاهر العزة: يقول الراوي ((كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَدَخَلَ عَلَيْهِ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيُّ فَرَحَّبَ بِهِ وَقَرَّبَ مَجْلِسَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا عِيسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ مِنَّا وَ لَا كَرَامَةَ مَنْ كَانَ فِي مِصْرٍ فِيهِ مِائَةٌ أَوْ يَزِيدُونَ وَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ أَحَدٌ أَوْرَعَ مِنْهُ))([11]). 
 
هذا هو المؤمن حقا فان المؤمن شامخ عزيز، ان المؤمن منيع الجانب، لا يرقى إليه الطير، اقتداءًا بسيده وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في الحدود التي يمكن له أن يتأسى به ويقتدي: ((... يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ))([12]). 
 
ان مما يؤسف له حقاً أن ترى أخلاق المسلمين متدنية، في الأسواق وفي الجامعات وفي المدارس وفي المنازل. الغربي يفتخر بحقوق الإنسان ونحن أولى منه بهذه الحقوق. ينبغي ان يكون أول من يكرم زوجته هو المؤمن. 
 
اننا ينبغي ان نكون مضرب المثل لا أن تكون سبّة وعاراً، فيشتهر أن المسلم يضرب زوجته أو يهينها أو يضرب أولاده او يهينهم، ذلك غير منطقي أبداً. 
 
المسلم في السوق يغش!! هكذا- أما الغربي فلا يغش!!. 
 
المسلم يخون الامانة!! المسلم يخدع!! المسلم ارهابي!! المسلم متخلف!! هكذا صورونا في الإعلام وأعطاهم بعضنا الذريعة ويا للأسف! 
 
لكن الإمام عليه السلام يقول: ((لَيْسَ مِنَّا وَ لَا كَرَامَةَ مَنْ كَانَ فِي مِصْرٍ فِيهِ مِائَةٌ أَوْ يَزِيدُونَ وَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ أَحَدٌ أَوْرَعَ مِنْهُ)). 
 
وهذه العبارة صريحة قوية. وان الذي يمتلك عزة النفس يأنف من ذلك. ان الذي يعتبر نفسه مؤمنا متصلاً حبله بحبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبحبل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لا يصح ان تعكر صفحة نفسه ولو هفوة بسيطة، ولو كذبة واحدة، غيبة، نميمة، تهمة، نظرة إلى أجنبية، خيانة، غش، تدليس وإلى غير ذلك، وإلا فليس منهم صلوات الله عليهم، لأن من هو منهم ينبغي أن يكون تلك المرآة التي تعكس ذلك الصفاء الإلهي وذاك القدس وذاك الطهر، فكيف يكون المؤمن غير ذلك؟. 
 
ان ذلك هو مظهر من مظاهر العزة، ويظهر ذلك بمقارنة بسيطة فلاحظوا (المدارس) فان بعض الأطفال عنده عزة نفس فيأنف إلا تحصيل الدرجة العليا في الامتحان. وإذا نقص يوما ما درجة يأتي منزعجاً، اما الآخر فليس مهماً عنده أحصل على الدرجة المطلوبة أم لم يحصل، رسب أم لم يرسب. 
 
الفارق في كلمة العزة وفي جوهر العزة وواقعها. 
 
وإذا انتقلنا إلى الأمم نجد ان الأمر كذلك أيضاً فان بعض الأمم لها عزة نفس، وفي البحث المقبل إن شاء الله سوف نتكلم عن الأمم، وسنضرب مثالا في المقارنة بين اليابان وتركيا، ترون اليابان أين هي وتركيا أين هي، الفارق في كلمة واحدة: عزة نفس حضارية هناك وذلة نفس حضارية هنا! 
 
وبكلمة: فان المؤمن ينبغي أن يأنف من أن لا يكون أشمخ من الشامخ، وأعلى من الجبل العظيم. 
 
ليس من شيعتنا من كان في العشرة آلاف أفضل منه! 
 
ولنختم برواية اخرى عن أبي الحسن الاول – وهو في مصطلح الروايات هو الإمام الكاظم عليه الصلاة وأزكى السلام، وفي المصطلح التاريخي هو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ثم أبو الحسن الثاني هو الإمام الرضا عليه السلام حيث أن الوالد أنحل ولده كنيته أيضًا- قال: ((كَثِيراً مَا كُنْتُ أَسْمَعُ أَبِي يَقُولُ لَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ لَا تَتَحَدَّثُ الْمُخَدَّرَاتُ بِوَرَعِهِ فِي خُدُورِهِنَّ وَ لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا مَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ فِيهَا عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ فِيهِمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَوْرَعُ مِنْهُ))([13]) 
 
لأن النساء دقيقات في كشف الإنسان، أنه كم يشط عن الدرب أم لا يشط!. 
 
السر في اختلاف العدد 
 
وهنا سؤال دقيق نختم به الكلام: لمَ في هذه الرواية حدّد الإمام عشرة آلاف وفي الرواية السابقة ذكر الامام الصادق صلوات الله تعالى عليه، مائة ألف؟ 
 
السر في ذلك فارق دقيق: فان الإمام هنا يقول: ليس من شيعتنا أو أولياءنا، ليس وليا لنا، فالمستوى قد انخفض إذن، أما الرواية الأولى فان المستوى فيها رفيع جدًا: ليس منّا ولا كرامة!! فإذا أردت أن تكون منهم صلوات الله عليهم فعليك أن تكون – وأن أكون كذلك - أفضلهم – أي افضل ذلك المصر- أورعهم، أتقاهم، أزهدهم. أصدقهم في الحديث، وهكذا وهلم جرا، فإذا أراد الإنسان أن يكون منهم، فعليه أن يكون الأفضل وقمة القمة بين الملايين، وأما إن أراد أن يكون من شيعتهم فعليه أن يكون الأفضل من بين عشرة آلاف إنسان. واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين. 
 
 
([1]) الجواهر ج21 ص284 قال (بل لا أجد فيه خلافاً). 
 
([2]) قال (المنع من العلو موضع وفاق بين المسلمين) كما نقله عنه الجواهر. 
 
([3]) وان تأمل فيه صاحب الجواهر فراجع الجواهر ج21 ص285. 
 
([4]) اي الأب والجد. 
 
([5]) وقيل بالتفصيل بين الدوام والانقطاع باستقلالها في الأول دون الثاني أو العكس. راجع الفقه ج64 ص19 – 28. 
 
([6]) بحار الأنوار ج100 ص20. 
 
([7]) أو أرضاً أو بستاناً أو ما أشبه على رأي ذهب إليه السيد الوالد وآخرون. 
 
([8]) الجواهر ج38 ص294. 
 
([9]) راجع الفقه ج47 ص245. 
 
([10]) المصدر ص249. 
 
([11]) وسائل الشيعة ج15 ص245. 
 
([12]) بحار الأنوار ج29 ص497. 
 
([13]) الكافي ج2 ص79، وسائل الشيعة ج15 ص246.

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 30 محرم الحرام 1435هـ  ||  القرّاء : 9859



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net