• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : قاعدة الالزام(1432-1433هـ) .
              • الموضوع : 13- هل يصح الاستدلال بـ (وامرت لأعدل بينكم) لقاعدة الالزام والامضاء -والمحتملات لـ(العدل) 1- العدل العرفي بأقسامه 2- العدل اللغوي 3-العدل الشرعي .

13- هل يصح الاستدلال بـ (وامرت لأعدل بينكم) لقاعدة الالزام والامضاء -والمحتملات لـ(العدل) 1- العدل العرفي بأقسامه 2- العدل اللغوي 3-العدل الشرعي

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
لا زال الحديث حول قاعدة الالزام، وحول ما يمكن ان يستدل به عليها من الادلة المختلفة، وبدأنا بالأدلة القرآنية على ذلك، ونذكر الان آية اخرى في هذا السياق وهي قوله تعالى:(وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ)، وهذا البحث هو بحث مفتاحي يحتاج الى وقت طويل لاستيعابه بأطرافه المترامية، ولكننا سنبحثه بإيجاز بما يناسب المقام. 
الدليل الآخر:والآية الشريفة والتي هي مورد بحثنا الان: 
(فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ) 
وسنتوقف عند المقطع الاخير منها (وأمرت لاعدل بينكم)، ونرى هل يمكن الاستدلال به على مرادنا؟ حيث الدلالة على وجوب العدل بمادة الأمر، او تلك الآية الاخرى والدالة على وجوب العدل بصيغة الأمر وهي:(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)ومسلكنا في المقام: ان الاوامر الواردة في مورد المستقلات العقلية، مولوية ايضا, بل حتى لو كانت ارشادية لما اضرت باستدلالنا بها,فإنه لو قلنا بالمولوية فستكون الآية منشئة لحكم شرعي بوجوب العدل، فهي اية حاكمة, موجبة منشئة. 
وإلا فهي كاشفة عن حكم عقلي دال على قاعدة الالزام فيما لو تمّ الاستدلال بها كما سيجيء. 
تحقيق معنى العدلان الاستدلال بالآية المزبورة على مرادنا يتوقف على مقدمات منها تحقيق معنى العدل:وهي مقدمة مهمة جدا وسيالة، وكثير من البحوث المشابهة تنطوي تحت افقها، وتترتب على ذلك ثمار عديدة كلامية وفقهية، فما هو المراد بالعدل؟ والجواب: ان الاحتمالات المبدئية في العدل هي ستة: 
الاحتمال الاول: ان يكون المراد منه هو (العدل في عرفهم وزعمهم) أي العدل في العرف الخاص الاحتمال الثاني: ان يكون المراد منه العدل العرفي الذي اطبقت عليهكل الاعراف او غالبها ولا يختص بعرف العرب والمخاطبين بالآية الكريمة.الاحتمال الثالث: ان يكون المراد هو العدل اللغوي الاحتمال الرابع: ان يكون المراد هو العدل الشرعي الاحتمال الخامس: ان يكون المراد هو العدل الواقعي الاحتمال السادس: ان يكون العدل مجملا نظرا لترددهبين المعاني السابقة الخمسة، وقد ذهب البعض في اية (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ)الى الاجمال . 
بحث مفتاحي و مهم:وكما ذكرنا فان هذا البحث هو بحث مفتاحي يمكن ان يجري في مفردات اخرى، كما في قوله تعالى مثلا:(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ)، وكذلك:(قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ)، فما هو المراد من الخبيث والطيب؟ان الاحتمالات الستة السابقة في العدل جارية في هذين المفهومين ايضا وفي غيرهما؛ فالبحث هو بحث سيال، كثير الفائدة، فمثلا (ردّ الوديعة) هو واجب عقلا وشرعا، ولكن ما هو المراد من الردّ؟ هل هو الرد الواقعي ام الرد في عرفه؟ والثمرة تظهر فيما لو تخالفا، فانه لو رددت الوديعة ردا واقعيا بان وضعتها في بيته مثلاًولكن ذلك في عرفه لم يكن يعتبر ردا؛ حيث لابد من وضعها في البنك مثلا، أو الامر على العكس من ذلك ,فهل يكون ما فعلته مصداقا للرد وقد برأت ذمتي أم لا؟ وهكذا. 
والمهم الآن تحقيق معنى العدل، وعلى ذلك قس ما سواه، فانه بحسب المعنى المراد والمستنبط من هذه المعاني المختلفة فانه قد يصح الاستناد الى هذه الآية في استنباط قاعدة الالزام وقد لا يصح ذلك. 
المعاني الثمانية:وسنتعرض الى هذه المعاني بإيجاز:الاحتمال الاول: هو (العدل بزعمهم)، ومآله الى العدل في عرفهم الخاص وهو عرف المخاطبين من مشركي مكة وما حولها، ويؤيد ذلك ان الخطاب لهم, ان هذا المعنى هو الاقوى في الاحتجاج عليهم، فما كان عدل عندكم فقد أمرت ان اطبقه عليكم. 
وعليه فلو فسرنا الآية بهذا التفسير والمعنى، فقد يقال انها تدل على قاعدة الالزام وكذا الامضاء فيما جرى عليه عرف أولئك المخاطبون ؛ لان معناها سيكون (اني أمرت ان احكم بينكم بالعدل، بما لكم وبما عليكم، بحسب مقتضى دينكم) فان العدل عندهم هو ان يمضوا على احكامهم، هذا هو الاحتمال الاول. 
الاحتمال الثاني إلى الرابع: المراد هو العدل العرفي، لكن العدل العرفي نفسه توجد فيه عدة احتمالات: 
1) ما اطبقت عيه جميع الاعراف 2) ما اجتمعت عليه غالب الاعراف3) ما كان في كل عرف عدلاً، وبحسب ذلك العرف. والحاصل: إن العدل أريد به معناه الموجود في العرف العام، وذلك بإلغاءخصوصية الخطاب وان الحكم ليس خاصاً بمشركي مكة وعلى نحو الحيثية التقييدية، وانما كان ذلك لاحتياج الخطاب الى طرف، وهذا الاحتمال هو اوسع دائرة من الاول، وهو الانفع لقاعدة الالزام والامضاء، ويؤيده قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ) 
وحاصل المعنى الرابع: ان أي شيء صدق عليه العدل في أي عرف من الاعراف، فاني أمرت ان احكم به، وهذاالتفسير لو تمّ فانه يفيد تشريع القاعدتين في كل الاديان, فهو أوسع من التفاسير الثلاثة الأولى. 
ويوضحه انه كما ان المكيل والموزون عرفي والاحكام تترتب على ذلك وتختلف باختلاف الأعراف، فكذلك كلما كان عدلاً عند قوم ومعروفاً لديهم فهناك امر للحكم به, ويختلف ذلك باختلاف الأعراف. 
وجاء في(لسان العرب) في تعريف العدل:(العدل ما قام في النفوس انه مستقيم وهو ضد الجور) وكلام (لسان العرب) منطبق علىالاحتمال الثاني 
الاحتمال الخامس: ان يكون المراد هو العدل العدل اللغوي، وعلى هذا فلابد من مراجعة القواميس اللغوية لمعرفة المعنى المراد، ولنرى - بناء عليه –مدى امكانية الاستفادة منه للاستدلال على مرادنا. 
المعاني اللغوية للعدل:وبحسب اللغويين فانه قد جاء في تعريف العدل:"هو التسوية بين الشيئين" .و"هو المساواة في المكافأة "وبحسب هذين التفسيرين فان الآية ستكون اجنبية عن الاستدلال على القاعدتين. 
وتفصيله:*التفسير الاول ( التسوية بين الشيئين ) ان المفسرين للقرآن الكريمقد اختلفوا في تفسير ايتنا المزبورة، وجذور هذا الاختلاف ترجع الى التحليل اللغوي، وما هو المراد من العدل لغة؟ فان (التسوية بين الشيئين)يطابق احد قولي صاحب تفسيرمجمع البيان وقد تابعه على ذلك آخرون، حيث يقول في تفسيره: (أمرت كي اعدل بينكم,أي: اسوي بينكم في الدين والدعاء الى الحق ولا احابي احدا)، أي:ان الدعوة تكون للجميع بنحو واحد، وعليه ستكون الآية اجنبية عن مرادنا في الاستدلال، وكذا لو أريد التسوية بينهم، عدم تقديم أحدهم على الآخر في الحكم والقضاء، محاباة . 
*التفسير الثاني ( المساواة في المكافأة ) وعلى هذا التفسير ايضا فان الآية لا تنفع كذلك للوصول الى مرادنا منها؛ حيث ستكون بمعنى: من احسن سأحسن اليه ومن اساء سأقابله بالمثل، وسأساوي بينكم جميعاً في مكافأة كل بمقتضى عمله. 
معان لغوية اخرى:وهناك معان لغوية اخرى للعدل وعليها جرت بعض التفاسير:التفسير الثالث:"العادل هو الواضع كل شيء موضعه ", وهذا المعنى يستند اليه للاستدلال على قاعدة الالزام؛ إذ قد يقال ان الزامنا اياه بما الزم به نفسه هو وضع للشيء في موضعه. 
التفسير الرابع:" العادل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم "، وايضا قد يقال:بان هذا المعنى يمكن ان يتطابق مع قاعدتنا حيث يجب عليَّ ان ألزمه بدينه واحكامه وان امنع اهوائي وارائي من اجرائها عليه. 
نقاش موجز:لقد قربنا الاستدلال بالآية على القاعدتين بحسب المعنيين اللغويين الاخيرين.ولكن, يرد على ما ذكر:بان الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم – وهو المعنى الاخير – اجنبي عن قاعدة الالزام والامضاء؛ لان الحاكم – وهو الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن اتبعه - سيحكم عليهم بمقتضى دينه وأحكامه، لا بمقتضى هواه حيث ان الكفار مكلفون بالفروع كما هو الحال في الاصول، وهذا ليس من الهوى وليس بمصداق له أبداً كما هو واضح. 
واما التفسير الاخر:(الواضع كل شيء موضعه) وبتقريب ما ذكرناه من انه حيث الزم نفسه بشيء فاننا نلزمه بذلك او نمضيه عليه وان هذا وضع للشيء موضعه، ان هذا التفسير يمكن ان يخدش فيه ايضا ببيان:ان وزان وضع الشيء موضعه هو كوزان العدل، والمناقشة صغروية، أي: من اين ان الزامه بما الزم نفسه هو وضع للشيء بموضعه؟بل قد يقال: إن إلزامه بالدين الحق، هو وضع للشيء موضعه، لأنه المطابق للواقع والحاصل للمصلحة، وإلزامه بما ألزم به نفسه، لمخالفته الواقع، ذو مفسدة فليس إلزامه بدينه وضعاً للشيء موضعه، ويوضحه: لو ألزم احدهم نفسه بشرب السم مثلا فهل إلزامي له بذلك,ينطبق عليه العدل وان هذا وضع للشيء بموضعه؟! 
وبتعبير اخر: الثبوت لا يتغير بتغير الالتزام فتأمل.الاحتمال السادس: ان يكون المراد هو العدل الشرعي، وهذا موقوف على ثبوت الحقيقة الشرعية في العدل، وتحقيقه يترك الى محله، فقد يستند لإثبات وجود هذه الحقيقة في العدل,بان الشارع قد تصرف في العدل تصرفات كثيرة في كثير من الموارد مما لا يراها العرف واللغة عدلا كما في: (للذكر مثل حظ الانثيين) فان هذا عدل بنظر الشرع، ولكنه بنظر العرف – والأدق: بنظر بعض الاعراف - ليس كذلك؛ حيث انهم في بعض الاعراف لا يعتبرون للأنثى شيئا بالمرة، وفي بعضها يقولون بالمساواة، والامر عينه في القصاص وفي القرعة وغيرها من الامثلة، 
وعليه فانه قد يستدل بالروايات على ان الشارع قد تصرف في مجموعة من المفاهيم ومنها (العدل) فأصبحت ذات حقيقة شرعية مما قد لا يتطابق بالضرورة مع ما يراه العرف. 
استدراك:ولكن قد يقال:ان الشارع قد شخَّص المصداق للعدل ولم يتصرف في المفهوم، إذ تارة الشارع يتصرف في المفهوم توسعة وتضييقا، هذا امر، وهو مجال الحقيقة الشرعية، وتارة اخرى يُبقي الشارع المفهوم على ما هو عليه ولكنه يخطِّئ العرف في التطبيق وان هذا ليس عدلاً أي ليس وضعاً للشيء موضعه. 
وللكلام تتمة 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=702
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 9 ذي القعدة 1432هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28