• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 232- مباحث الاصول: (مقدمة الواجب) (4) .

232- مباحث الاصول: (مقدمة الواجب) (4)

مباحث الاصول

(مقدمة الواجب)

جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين

الفائدة السادسة: تنقسم المقدمة إلى قريبة وبعيدة ، والملاك في صدق المقدمة على البعيدة هو العرف ، فما صدق عليها عرفاً أنها مقدمة للحلال أو الحرام استحق عليها العقاب والثواب ، وإلا فلا.

بحث تطبيقي:
في قوله تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [1].
وفي موثقة سماعة قال: قلت له - أي الإمام الصادق عليه السلام  - وقول الله عز وجل.. ومن قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً قال: من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها) [2].

وههنا مسألتان:
المسألة الأولى: لو تعاون عدة أشخاص على قتل شخص فإنه يصدق عليهم جميعاً قاتل وينطبق على كل منهم (من قتل) وكذلك لو تعاونوا على إحياء شخص وإنقاذه من القتل فإنه يصدق عليهم جميعاً (وَمَنْ أَحْيَاهَا).
لكن لو اشترك الألوف أو الملايين في قتل واحد كالذين جمعوا الحطب لنار إبراهيم عليه السلام، أو ملايين وقعوا على قتل مؤمن فقتله الحاكم، فهل يصدق على كل منهم (قاتل) و(من قتل)؟
وكذلك الأمر لو اشترك الألوف أو الملايين في إحياء شخص وإنقاذه؟
قد يقال: بالتفريق بين المقدمات البعيدة والقريبة، فليس الملاك القلة والكثرة، بل الملاك الصدق العرفي وهو منوط ببعد وقرب المقدمات وبطريقة المشاركة ، فتأمل.
ومثل ما سبق يقال بالنسبة إلى (وَمَنْ أَحْيَاهَا).
المسألة الثانية: في قوله عليه السلام: (من أخرجها من ضلال إلى هدى) يشمل الإخراج بالقول والنصح، وبالعمل والفعل، كما يشمل الإخراج التدريجي والدفعي، ويشمل ما لو كان تمام العلة للإخراج أو جزء العلة، بمقدمات بعيدة أو قريبة، لكن بما يصدق معه عرفاً أنه (أخرج) فيشمل على هذا قوله تعالى: (مَنْ قَتَلَ) و(وَمَنْ أَحْيَاهَا) وقوله عليه السلام: (من أخرجها من ضلال إلى هدى) و(من أخرجها من هدى إلى ضلال): من أسس الحوزات العلمية، والمكتبات، والمساجد والحسينيات، والإذاعات والفضائيات والجرائد والمجلات، وما أشبه مما يخرج الناس من الضلال إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان ومن إتباع الغاصبين إلى إتباع أمير المؤمنين عليه صلوات المصلين [3].

الفائدة السابعة: مقدمة الحرام حرام ، لترشح الحرام من ذيها ، أو لنبساطه منه إليها ، أو تضمناً منه إليها.   

بحث تطبيقي:
في قوله تعالى (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.[4]
وهل (للنزاع) قبح وحرمة وراء ما يتضمنه من المحرمات (كالضرب والجرح وهتك الأعراض بالسباب وغيره، والغيبة والتهمة والنميمة)؟
الظاهر ذلك، وأنه مما يستقل به العقل؛ ولذلك علل في الآية بلوازمه لا بما تضمنه فلو فرض عدم تضمنه أي محرم فإنه يبقى قبيحاً ومحرماً لاستلزامه الفشل وذهاب الريح، فيدخل على هذا في كلي ما أشرنا إليه في بحث الاستلزامات من ترشح القبح والحرمة من ذي المقدمة، للمقدمة ـ وهو رأي ـ أو شمول وإنبساط الدليل الدال على حرمة (وقبح) ذي المقدمة لحرمة (وقبح) المقدمة [5] ـ وهو المنصور ـ. بل إن السيد الوالد في (الفقه) ذهب إلى حرمة النزاع نفسياً لا مقدمياً، مستظهراً من الأدلة الدالة على النهي عن النزاع، ذلك.[6]
وحيث أن قبحه مما يستقل به العقل، فلا مجال لحديث الترشح أو الإطلاق والشمول، لاستقلال العقل به ابتداءً وإن كان منشؤه ذو المقدمة والسراية، فتأمل.[7]
ولا فرق في قبح النزاع بين كونه في الشؤون الدنيوية ـ كالنزاع على رياسة أو إمارة أو منصب ـ والشؤون الأخروية ـ كالنزاع على إمامة جماعة أو انتخاب مرجع تقليد أو تأسيس حسينية أو ما أشبه ـ. نعم النزاع مع (المبطِل) غير قبيح بعد ملاحظة أهم الأمرين من نوع الباطل ونوع النزاع ولوازمهما وآثارهما، ويتضح بهذا إن كثيراً من النزاعات بذريعة الدفاع عن الحق، مرجوحة [8].

بحث تطبيقي آخر:
في قوله تعالى (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا﴾.[9]
الهجرة في مورد الآية واجبة؛ إذ إقامة الدين واجبة، فهي من المستقلات العقلية بناءً على كلي بحث الاستلزامات واستقلال العقل بوجوب المقدمة ترشحاً من وجوب ذيها، أو تضمناً كما أوضحناه من قبل وأن وجوباً واحداً يمتد على المقدمات وذيها بوقت واحد، لا ترشحاً، نعم بناء على مسلك اللابدية العقلية في وجوب المقدمة، لا وجوب بالمعنى الأخص [10].
وشأن نزولها أن ( أناس من مكة أسلموا ولم يهاجروا، حين كانت الهجرة واجبة)[11]، وتأويلها ما ذكره القمي (نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين ولم يقاتلوا معه فقالت الملائكة لهم عند الموت فيم كنتم؟ ((قالوا كنا مستضعفين في الأرض...))).[12]
وينسجم هذا التأويل مع الذهاب إلى أن (توفاهم) هي بصيغة ا لمضارع بحذف التاء الثانية كـ(تنزل الملائكة والروح فيها)، بل حتى لو كانت بصيغة الماضي، إذ هو من المضارع المحقق الوقوع فيعبر عنه بصيغة الماضي [13].

بحث تطبيقي ثالث:
قال في الفقه: ثم الظاهر عدم جواز استعمال الخمر مطلقاً حتى في التطلية وتليين الأشياء الصعبة، وما أشبه ذلك؛ لإطلاق بعض الأدلة، ومنها رواية تحف العقول حيث قال عليه السلام (وجميع أنحاء التقلب فيه) وإن كان ربما احتمل الحلية لتعارض العمومات، بعمومات أخرى..)[14] .
أقول: وإذا كان قبح شرب الخمر ـ أي قبح مطلق ما يذهب بالعقل ـ بل وحرمته، من المستقلات العقلية، فإن قبح سائر ما ذكر في الرواية - من عصر وبيع وسقي... الخ [15] -   يندرج في كلي ما ذكرناه في مباحث الاستلزامات، وأن النهي ـ وقبله القبح ـ المتوجه لذي المقدمة، منبسط على المقدمة، وهو الرأي المنصور  ، أو مترشح منه إليها ، على رأي مشهور ، وأما الوجوب بمعنى اللابدية العقلية فهو - بعد ما كان مفروغاً منه ولا ريب فيه -  ليس المراد [16].  
وعلى أي، فإن هذه الرواية يمكن أن تعد من الأدلة على إنبساط الوجوب للمقدمة، ولا أقل من الترشح، فليتدبر [17].

بحث تطبيقي رابع:
في قوله تعالى (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.[18]
هل (للنزاع) قبح وحرمة وراء ما يتضمنه من المحرمات كالضرب والجرح وهتك الأعراض بالسباب وغيره، والغيبة والتهمة والنميمة؟
الظاهر ذلك، وأنه مما يستقل به العقل؛ ولذلك علل في الآية بلوازمه لا بما تضمنه فلو فرض عدم تضمنه أي محرم فإنه يبقى قبيحاً ومحرماً لاستلزامه الفشل وذهاب الريح، فيدخل على هذا في كلي ما أشرنا إليه في بحث الاستلزامات من ترشح القبح والحرمة من ذي المقدمة، للمقدمة ـ وهو رأي ـ أو شمول وإنبساط الدليل الدال على حرمة (وقبح) ذي المقدمة لحرمة وقبح المقدمة [19] ، وهو المنصور .
بل إن السيد الوالد قد سره في (الفقه) ذهب إلى حرمة النزاع نفسياً لا مقدمياً، مستظهراً من الأدلة الدالة على النهي عن النزاع، ذلك [20] .
وحيث أن قبحه مما يستقل به العقل، فلا مجال لحديث الترشح أو الإطلاق والشمول، لاستقلال العقل به ابتداءً وإن كان منشؤه ذو المقدمة والسراية، فتأمل.[21]
ولا فرق في قبح النزاع بين كونه في الشؤون الدنيوية ـ كالنزاع على رياسة أو إمارة أو منصب ـ والشؤون الأخروية ـ كالنزاع على إمامة جماعة أو انتخاب مرجع تقليد أو تأسيس حسينية أو ما أشبه .
نعم ، النزاع مع (المبطِل) غير قبيح بعد ملاحظة أهم الأمرين من نوع الباطل ونوع النزاع ولوازمهما وآثارهما، ويتضح بهذا إن كثيراً من النزاعات بذريعة الدفاع عن الحق، مرجوحة [22].

بحث تطبيقي خامس:
روى في الفقيه عن عبد الملك بن أعين، قال: قلت لأبي عبد الله علام ليه الس: إني قد ابتليت بهذا العلم(4) فأريد الحاجة(5)، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشر جلست ولم أذهب فيها(6)، وإذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة؟ فقال لي عليه السلام : تقضي؟ قلت: نعم، قال: أحرق كتبك [23] .
وهذه الرواية مطابقة لهذه القاعدة؛ إذ المستظهر أن الإمام عليه السلام  سأل الشخص عن المقدمة الموصلة عندما قال له: (تقضي) أي: بناءً على ما نظرت إليه من كتبك في النجوم، أي: هل أن  نظرك  في هذه الكتب التي هي عندك طريق مؤدِّي إلى أن تقضي [24] ؟ فقال الشخص: نعم، فأجابه الإمام عليه السلام: أحرق كتبك، وهذا يدل على أن التحريم إنما هو لكونه مقدمة موصلة [25].
وقال الشيخ قدس سره : ومقتضى الاستفصال [26] في هذه الرواية أنه إذا لم يترتب على إبقاء كتب الضلال مفسدة لم يحرم [27]
ومعنى كلامه: أن حفظ كتب الضلال [28] إذا كان بنحو المقدمة الموصلة حرم ذلك وإلا فلا، وعليه فلو قطع[29] (3) الشخص بأن هذه الكتب ستؤدي إلى ضلال أبنائه، ولكنهم لسبب أو لآخر لم يضلوا فإن هذه الرواية ـ بحسب كلام الشيخ ـ لا تدل على الحرمة [30] [31].
ولكن نقول: إنه في الرواية المذكورة لم يؤخذ عنوان المفسدة لكي يجعل الشيخ الاستفصال والتفصيل دائراً مدارها، وإنما أخذ في الرواية عنوان خاص جداً، وهو خصوص أجلى مصاديق المفسدة وأعلاها، أي: (تقضي؟ ) الذي يعني الشرك بالمآل، وتحريم هذا العنوان لا يدل على تحريم ما هو أضعف ملاكاً، وعليه فإنه كان ينبغي على الشيخ أن يقول: (إن مقتضى الاستفصال أنه إذا لم يترتب على إبقاء كتب الضلال قضاء شركي لم يحرم)، هذا هو مقتضى القاعدة، لأن عنوان القضاء، الذي سأله عنه الإمام عليه السلام أخص مطلقاً من المفسدة، فكيف انتقل الشيخ من تحريم خصوص العنوان الشركي إلى تحريم مطلق موجب المفسدة، كما لو كان في حفظ كتب الضلال مفسدة عامة لا تؤدي إلى الشرك؟ فإنه وإن كانت للمفسدة محرمات أخرى فإنها بدرجات أخف، وعلى أي فإن هذا تنقيح للمناط ظني، بل موهوم وعلى خلاف القاعدة.
 نعم، له أن يتمسك بالمقدمة الموصلة، دون مناط خصوص هذه الرواية [32].

--------------
[1] سورة المائدة :32.
[2] الكافي الشريف: ج2 ص214.
[3] فقه التعاون :ص 45.
[4] سورة الأنفال: 46.
[5] والشمول إما عقلاً، أو بدعوى أن المتفاهم عرفاً من الدليل اللفظي الدال على حرمة ذي المقدمة، هو ذلك.
[6] الفقه: ج93ص364.
[7] لتمامية ذلك على مسلك الوالد قدس سره لا غيره.
[8] الأوامر المولوية والارشادية: 157.
[9] سورة النساء: 97.
[10] المعنى الأعم هو الشامل لللابدية العقلية، والتي لعل إطلاق الوجوب عليه، يعد مجازاً في العرف الخاص والعام ـ فتأمل.
[11] تفسير الصافي: ج1 ص232.
[12]  تفسير القمي: ج1 ص149.
[13] الاوامر المولوية والارشادية: ص160.
[14] - الفقه، كتاب الأطعمة والأشربة: ج77 ص42.
[15] وهي الرواية التي رواها في الكافي : ج6 ص398 عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: لعن رسول الله: الخمر، وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومشتريها وساقيها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه)(1)، والرواية موثقة سنداً.
[16] ولا ينبغي أن يكون المراد  من قاعدة الملازمة ، وقد فصلنا ذلك في مباحث الأصول كتاب الملازمة بين حكمي العقل والشرع، فليلاحظ.
[17] الأوامر المولوية والارشادية: ص 279.
[18] سورة الأنفال: 46.
[19] - والشمول إما عقلاً، أو بدعوى أن المتفاهم عرفاً من الدليل اللفظي الدال على حرمة ذي المقدمة، هو ذلك.
[20] - الفقه: ج93 ص364.
[21] - لتمامية ذلك على مسلك الوالد قدس سره لا غيره.
[22] الأوامر المولوية والارشادية: 157.
[23] الفقيه :ج2 ص267.
[24] بإحدى الصور  الموجبة للكفر أو للحرام القطعي .
[25] حفظ كتب الضلال: ص 242.
[26] ومقصوده من الاستفصال هو طلب التفصيل في قول الإمام عليه السلام  (تقضي؟) مما يدل عرفاً على أنه لو لم يقضِ لم يكن هناك أمر بإحراق الكتب، وهذا يعني أن ترتيب الأثر هو المحرم، أي: أنه لو ترتب الأثر على حفظ كتب الضلال، ونجم عن ذلك القضاء بها فهي محرمة، وأما لو لم يترتب على ذلك الإبقاء مفسدة لم يحرم الحفظ.
[27] كتاب المكاسب: ج1ص234.
[28] ومنها كتب التنجيم.
[29] أو ظن بالظن المعتبر.
[30] إذ أُخِذ الترتب الثبوتي.
[31] حفظ كتب الضلال: ص 243.
[32] حفظ كتب الضلال: ص256.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2946
  • تاريخ إضافة الموضوع : 12 ربيع الآخر 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28