• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 220- مباحث الأصول: (القطع) (1) .

220- مباحث الأصول: (القطع) (1)

مباحث الأصول: ( القطع )

جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين*

الفائدة  الأولى: كان من الأولى أن يُجعل مدار البحث حجية العلم لا حجية القطع؛ لأن الثاني يعم الجهل المركب ؛ والأول هو المدار في الآيات والروايات .
 كان الأولى ببعض أعلام الأصوليين جعل مدار البحث في (حجية العلم) [1] وكونه ذاتياً ومنجزاً ومعذراً [2]،  لا جعل مدار البحث (حجية القطع)  الذي هو أعم من الجهل المركب ؛ لأن مدار البحث في الآيات والروايات على العلم لا القطع؛ بل لا توجد آية واحدة ذكرت القطع، ولا حتى رواية واحدة [3] تتحدث عن القطع؛ ولعله لأن الجهل المركب لا قيمة له إطلاقاً ولا أثر، بل القيمة للعلم، والقطع أعم.
نعم ، كان مما لا بأس به في التقسيم الأولي [4] ،  إلا أنه كان الأولى عطف عنان الكلام إلى العلم والبحث عن خواصه وآثاره،  وكانت تكفي للقطع في ضمن مصداقه الآخر ـ وهو الجهل المركب ـ الإشارة فقط [5].
نعم [6]، لهم القول بأن العلم [7] ـ وكذا القطع ـ  هو عين الإنكشاف للنفس أي للعالم [8]، إلا أن هذا  أجنبي من مباحث الحجية في الأصول؛ إذ الكلام فيها عن الحجة  على الخارج [9] لا الحجة بالقياس للداخل أي النفس؛ فإنه بحث يتعلق بأحوال ((النفس‏)) التي كان يبحث عنها قديماً في الفلسفة أو الكلام، وليس بحثاً أصولياً. هذا.
إضافة إلى النقاش في المبنى، ولعله نتعرض له في بحث العلم الحضوري [10]، إن شاء الله تعالى [11].

الفائدة الثانية : الكاشفية  ذاتية للعلم  وليست ذاتية  للقطع، وإلا كان القطع  بالجهل المركب  كاشفاً ذاتاً ،  فيكون نقيض الشيء لا  ضده  ولا خلافه ، وهو كما ترى.
 إن الكاشفية ذاتية [12] للعلم وليس للقطع [13] ،  فإن الجهل المركب غير كاشف ذاتاً ، بل إنه لا يعدو إلا توهم الكاشفية [14] ،فهو (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) [15].
وبتعبير أدق: أن القطع الذي هو جهل مركب غير كاشف ذاتاً  ، فذاتية عدم الكاشفية لغرض أنه جهل مركب ولأنه ضد أو نقيض [16] العلم الذي ذاتية الكاشفية، وإذا كان هو كذلك كيف يعقل أن يكون  ذاتياً لأمر  هو ضده أو نقيضه؟ [17] .

الفائدة الثالثة: حقيقة القطع  ليست نفس الانكشاف ؛ لتغايرهما  مفهوماً وماهية.
 قال في مصباح الأصول : الصحيح أن حقيقة القطع هو نفس الانكشاف وذاته،  فلا يعقل الجعل فيه أصلاً بجميع أنحائه لا بسيطاً... ولا مركباً... فإن ثبوت الشيء لنفسه ضروري والماهية هي هي بنفسها) [18].
وهذا غير تام؛  لتغاير ماهية ومفهوم القطع والانكشاف ، بل إن كان شيء فهو الاتحاد بالحمل الشائع الصناعي [19]؛  لذا فالظاهر أنه خلط بين الحملين [20]؛ بل النسبة بينهما عموم من وجه؛  لاختلاف القطع عن الانكشاف في مورد الجهل المركب؛  ولاختلاف الانكشاف عن القطع في النور [21]، وفي الباري تعالى،  بل في مطلق العلم الحضوري،  بل في كل مدركات النفس المنكشفة لها ؛ لأنه إن كان  القطع من مقولة الفعل فهو غير الانكشاف ؛ لأنه من مقولة الانفعال [22] ، فكيف يكون عينه؟،  فتأمل [23].
وإن كان  من مقولة الإضافة،  فهو غيره أيضاً؛  لأن أحدهما هذا الطرف،  الطرف للإضافة ، والآخر الطرف الآخر.
وإن كان القطع من الكيفيات النفسية ، فهو غيره أيضاً ؛ لكونه كيفية قائمة بالنفس، أما الانكشاف فهو وصف بحال المتعلق [24].
والحق أن الانكشاف [25] لازم للقطع - على فرض التنزل عن كونه صفة العلم – وليس نفسه مفهوماً بالحمل الذاتي الأولي، ولا عينه مصداقاً بالحمل الشائع الصناعي، كما أن الانكشاف والكاشفية لازم للنور وليس ذاته أو عينه ؛ فقد وقع خلط بين ذاتي باب البرهان وذاتي باب ايساغوجي [26].

---------------

* هذه المباحث الاصولية تجميع لما طرحه سماحة السيد في مختلف كتبه وبحوثه، قام باعدادها وجمعها و ترتيبها مشكوراً فضيلة الشيخ عطاء شاهين وفقه الله تعالى
[1] لذا سوف ترى تطبيق هذه المنهجية في كلامه في الفوائد الأتية .
[2] إلى آخر الكلام فيه .
[3] حسب الاستقراء الناقص في الكافي ونهج البلاغة فقط.
[4] وهو : إذا التفت المكلف فإما أن يحصل له القطع أو الظن....
[5] فقه التعاون.: ص 253.
[6] من هنا من كتاب الحجة ومعانيها :ص42 مع بعض التصرف.
[7] أي الصورة العلمية الحاصلة من الشيء، فإنها معلومة بالعلم الحضوري، لا بصورة أخرى، فهي عين الإنكشاف للنفس.
[8] أو أن (العلم الحضوري)، هو عين الإنكشاف، وفيه: أن الكلام في (الأصول) عن: العلم الحصولي، والظن والشك ـ وهما البتة حصوليان ـ لا العلم الحضوري.
[9] أي (الحجة) على مرادات الشارع أو أحكامه أو الوظيفة فـ(خبر الواحد حجة) أو القطع حجة أي حجة على وجود هذا الحكم للشارع أم لا؟ لا أنه حجة أي منكشف للنفس ـ هذا الخبر ـ تاماً أو ناقصاً؟
[10] من أن (العلم) بمعنى (الصورة الذهنية) ليس عين الإنكشاف للنفس، وكذا مطلق العلم الحضوري؛ فإن ملاك العلم ليس الحصول ولا الحضور، بل النور.
[11] الحجة :ص42.
[12] أي لا تنالها يد الجعل ، قال في فوائد الأصول: ج3ص6: إن طريقية القطع ذاتية له لا تنالها يد التشريع ، إذ لا معنى لتشريع ما هو حاصل بذاته ومنجعل بنفسه ، فإن الجعل التشريعي إنما يتعلق بما يكون تكوينه عين تشريعه لا ما يكون متكونا بنفسه .
[13] الأعم من الجهل المركب  كما هو مفروض كلامهم ،ولذا تحدثوا عن امتناع النهي عن اتباع القطع في صورتي المطابقة للواقع وعدمها.
[14] وإلا لزم كونه علماً هذا خلف.
[15] سورة النور: 40.
[16] لأن الجهل المركب إما هو عدم العلم فهو نقيض أو غيره، فضد.
[17] فقه التعاون : ص 242.
[18] مصباح الأصول: ج2، ص15، أول بحث القطع.
[19] قال في المنظومة:
الحمل بالذاتي الأولي وُصِف *   مفهومه اتحاد مفهوم عرف
وبالصناعي الشائع الحمل صفا * وباتحاد في الوجود عرفا

[20] بين الحمل الذاتي والشائع .
[21] مما تنكشف به الأشياء تكويناً وليس بقطع.
[22] أو هو أمر انتزاعي، فتأمل.
[23] إذ من الأقوال كون العلم من مقولة الانفعال لا الفعل، قال في المنظومة:
من تلك أن في جنسه أقوال  * كيف، إضافة، أو انفعال .
                      
[24] تقول: قطع زيد بكذا فصفته النفسية أنه قاطع، ولا تقول: انكشف زيد فصنفته أنه منكشف أو انكشاف، بل تقول: انكشف كذا له.
[25] أو الكاشفية.
[26] فقه التعاون: : ص245.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2887
  • تاريخ إضافة الموضوع : 13 ربيع الأول 1439 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28