• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 182- مباحث الاصول: (المستقلات العقلية) (4) .

182- مباحث الاصول: (المستقلات العقلية) (4)


الفائدة الخامسة عشر : العقل يحكم على الكلي ولكن تطبيقه على مصاديقه هو شأن العقلاء، لذا تكون دائرة الأحكام العقلائية دون رتبة الأحكام العقلية ، حيث إن أحكام العقلاء قد تنسلخ عن موضوعاتها وقد لا تنسلخ ، وأما الأحكام العقلية الكلية  فلا يمكن انسلاخها عن موضوعاتها.
ما هي دائرة الأحكام العقلائية؟ وأين هو موضع حكمهم؟  وما هو الفارق بين حكم العقل والأحكام العقلائية؟ لأن الظاهر أن حكم العقلاء هو حكم للعقل [1]، فكيف يكون قسيماً له؟
والجواب: أن دائرة الأحكام العقلائية هي الدائرة اللاحقة للأحكام العقلية، أي الدائرة النازلة رتبة عن رتبة الأحكام العقلية  .
وبتعبير أدق: موطن الأحكام العقلائية هو التطبيق، أي موطنها هو الصغريات ؛ لأن العقل لا يحكم في الجزئيات بل يحكم على الكليات، فتطبيق هذا الحكم الكلي على المصداق هو شأن العقلاء وليس شأن العقل ، وكمثال : فإن من الكليات حسن ووجوب دفع المضرة البالغة  وجلب المنفعة البالغة، وشكر النعمة الجسيمة، والإتيان بفعل على حسب ما يقتضيه الاستحقاق الذاتي ؛  فهذه كلها ما يحكم بها العقل لكن تطبيق هذه الكليات على المصاديق هو شأن العقلاء.
وبعبارة أخرى: كلما حكم العقلاء  فيما هو نوع أو صنف أو فرد موضوع وحكم العقل سمي حكماً عقلائياً ؛ فموضوع أحكام العقل كالجنس لموضوع حكم العقلاء، وتطبيق هذه الأحكام على الأنواع،  ثم على الأصناف ، ثم على الأفراد وهي دائرة حكم العقلاء  .
وعلى هذا فإن العقل لا يحكم بلزوم حفظ النظام بما هو هو  ؛ وإنما يحكم بلزوم دفع الضرر البالغ وجلب المنفعة البالغة ، والعقلاء هم الذين يطبقون هذه الكبرى الكلية على هذا الصنف أو هذا النوع ، فيقولون : حفظ النظام واجب ؛  لكونه صنفاً أو نوعاً لتلك الكبرى العقلية الكلية [2].
وبتعبير أدق: أن العقلاء لا يوجبون حفظ النظام بذاته ؛ وإنما لانطباق عنوان موضوع حكم العقل عليه ؛ ولذا لو فرضنا عدم انطباق تلك الكبرى العقلية عليه فلا حكم للعقلاء حينئذ بالوجوب ، بل قد يحكمون بالعكس فيما لو رأى العقلاء أن حفظ النظام فيه مضرة بالغة ،  كما فعل الإمام الحسين (عليه السلام) بالثورة على يزيد لعنه الله ؛ فإنه إذا كان نظاماً طاغوتياً  -  ((يدع فيئكم زهيداً وزرعكم حصيداً))  [3] و ((يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان)) [4]  -  فقد انسلخ عن كونه مصداقاً لتلك الكبرى الكلية.
ومن ذلك ظهر: أن أحكام العقلاء قد تنسلخ عن موضوعاتها وقد لا تنسلخ ، وأما الأحكام العقلية الكلية [5] فلا يمكن انسلاخها عن موضوعاتها، وهذا فرق جوهري بين الحكم العقلي والأحكام العقلائية .
والظاهر أن دور العقلاء خارج دائرة التطبيقات هو دور الكاشف لا الحاكم [6] ، وهذا نظير بحث الإجماع  ؛ فإن الإجماع حجة  لكن لا بما هو هو  ؛ بل هو حجة باعتبار كونه كاشفاً عن الكتاب والسنة.
اللهم  إلا أن يقال : إن المراد بالعقلاء ليس الآحاد المنظمة لبعضها إلى بعض فقط ، ليقال :  إن مرجع حكمهم إلى الكشف عن حكم العقل في خارج دائرة التطبيقات ؛ بل المراد بالعقلاء من احتوى على العقل بضميمة مثل التجربة والخبرة ؛ وحينئذ قد يقال : إن لهم بهذا اللحاظ الحكم لا الكشف فقط ، فتأمل[7].
بحث تطبيقي :
هل أن الوجوب التخييري للاجتهاد أو التقليد  أو الاحتياط   مصداق من مصاديق حكم العقلاء أم لا؟
الظاهر أن الضابط الذي ذكرناه  من التطبيق منطبق هنا، لكن تحقيق الكلام يتوقف على مبحث مبنائي في وجوب التعلم هل هو نفسي أو مقدمي؟
 فإذا قلنا :  بأن وجوب التعلم نفسي ؛ فحينئذ تكون هذه الثلاثة[8] مصداقاً من مصاديق حكم العقلاء؛ لأن العقل يحكم بوجوب جلب المنفعة ومعرفة أحكام المولى المحيط بالمصالح والمفاسد ومن بيده العقوبة والمثوبة  بناءً على الوجوب النفسي ذات مصلحة ذاتية  ؛ فهي من مصاديق جلب المنفعة بذاتها ، كما أنها في الوقت نفسه مقدمة لجلب منفعة المتعلَّق ؛ فعلى القول بالوجوب النفسي يكون المقام تطبيقاً للكبرى الكلية على مصاديقها.
وأما إذا قلنا : بالطريقية أو بالمقدمية  -ولم نقل بالوجوب النفسي  -  فلا يكون الأمر من باب التطبيق ، بل يكون من باب الاستلزام والمقدمية المحضة ؛ لكون تلك الثلاثة  مقدمة لتحقق بعض - أو كل-  الملاكات الأربع.
نعم ، بما أن العقل يحكم بوجوب مقدمة الواجب  - وكانت هذه الثلاثة مقدمة له  - فحكم العقلاء بوجوبها يكون من باب التطبيق والانطباق.
وعلى هذا فلو جردت هذه العناوين الثلاثة عن كونها مصاديق لتلك الأربع[9] ، وجردت عن كونها طرقاً أو مقدمات لها ؛ لما حكم العقلاء بالوجوب.
والحاصل: أننا بالبرهان الأني ننتقل من سلب اللازم ونفيه إلى سلب الملزوم ونفيه ؛ إذ رأينا : كلما لم تقع هذه الثلاثة مقدمة ولا طريقاً  ، ولا كانت مصاديق من باب الانطباق ؛ فإن العقلاء لا يحكمون عليها بالوجوب   ،  بل قد يحكمون عليها بنقيض ذلك[10].
 
الفائدة السادسة عشر : ما قيل بعودة كل اختلافٍ في الأنظار إلى الاختلاف في الأخبار غير تام؛ لأن الاختلاف في الأخبار يعود إلى الاختلاف الأنظار في المباحث والأدلة العقلية ومنها مباحث الاستلزامات وغيرها.
قال السيد العم (دام ظله) : ((وما يقال: من أنّ الفقهاء يستدلون كثيراً بالاستلزامات العقلية ونحوها، ويعتبرونها مدركاً للفتاوى، بل ربما طرحوا لأجلها بعض الأخبار المعتبرة سنداً، فكيف يمكن فهم عدم الخصوصية لما ورد من التخيير في الأخبار ليشمل الفتاوى؟
فإنّه يقال: الفقهاء يستنبطون ((الإسلام)) ويفتون به والأخبار هي جلّ أحكام الإسلام، وما يستدلّون به عن الاستلزامات العقلية ونحوها إنما هي مقدمات لفهم الأخبار ونحوها، وتوفير القرائن الحالية ونحوها، وهذا لا يخرجه عن فهم الخصوصية، فتأمل )) [11]
أقول: والحاصل: أن الاستدلال بالعقليات إنما هو لكونها مقدمات أو كونها قرائن حالية لفهم المراد من الأحاديث.
وتوضيحه بالمثال: أن الأصوليين يستدلون على استلزام الأمر بالشيء للأمر بمقدمته  أو انبساطه عليها  أو عدمهما  بالأدلة العقلية ، كما يستدلون على الترتب - امتناعاً أو إمكاناً – بها، كما يستدلون على أن الأمر بالشيء يقتضي – أي ثبوتاً  [12] – النهي عن ضده العام أو الخاص بها ،  أو على عكس ذلك بها أيضاً.
وهذه الاستدلالات كلها مقدمات لفهم الأخبار ،  فمثلاً ما ورد من أن كل خطوة يخطوها زائر الإمام الحسين  (عليه السلام) فله بها حجة وعمرة ، أو قوله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ )  [13] .
فإن  البحوث العقلية عن المقدمة تصب في أن هذه  واجبة أم  مستحبة  أم لا ، و أن الثواب مترتب عليها ، أو هو تفضُّل ، أو على الأحمز  - كما قاله الآخوند [14] - أو غير ذلك [15].
وكذا الأمر بالمهم مع وجود الأمر بالأهم في الروايات ،  أو في مطلق كلام الموالي ، فهل هو حقيقي أو ارشادي غير مولوي ؟
ذلك يتوقف على البحث العقلي في رتبة سابقة ، فإن قلنا : بالاستحالة  فهو أمر ارشادي،  وإلا فمولوي.
الجواب عن مقدِّمية الأدلة العقلية لفهم الأخبار
ولكن قد يورد عليه [16]– إضافة إلى ما سبق – أن ما ذكر على العكس أدلّ ؛  فإن الاختلاف في الأخبار – أي في تشخيص المراد منها – يعود إلى الاختلاف في المباحث والأدلة العقلية ومنها مباحث الاستلزامات ، فكان مرجع تحقيق معنى الخبر وفهمه إلى تحقيق المبنى العقلي في الاستلزامات وشبهها وليس العكس  ؛ فلا تتم دعوى عودة كل اختلافٍ في الأنظار إلى الاختلاف في الأخبار ؛ بل عاد الاختلاف في الأخبار إلى الاختلاف في الأنظار في المسألة العقلية.
وتوضيحه بالمثال : أن الاختلاف في استحباب مقدمة المستحب أو وجوب مقدمة الواجب شرعاً نابع من اختلاف عقلي ؛ في أنه هل هناك ملازمة بين وجوب ذي المقدمة وبين وجوب ذيها - بدعوى ترشح الوجوب من ذيها إليها ، أو انبساط الأمر على المقدمة -  أو لا [17] ؟
نظراً للزوم اللغوية  ، أو تعدد العقاب ،  أو غير ذلك ؛ وعلى هذا البحث العقلي ابتنى تفسير الآيات والروايات على خلاف ظاهرها ،  أو إبقائها على ظاهرها :  فذهب الآخوند إلى أن مثل قوله تعالى :  (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ  )  [18] .
ومثل الأجر على كل خطوة يخطوها [19] زائر الإمام الحسين (عليه السلام)  لا يراد به ظاهره -  نظرا للمبنى العقلي لديه [20] - بل يراد بها خلاف الظاهر : من أن الثواب ليس على هذه المقدمات ، بل لا ثواب عليها أصلاً  ؛ والثواب المذكور إما أنه تفضُّل ، أو هو ثواب على العمل نفسه - أي على ذي المقدمة -  لكونه أحمز بسبب احتياجه لمقدمات كثيرة أو صعبة، وأما من كان مبناه الإمكان أبقى ظواهر الأدلة على ما هي عليه، فيما ذهب بعض إلى التفصيل [21] ، بل وكذلك الأمر في القول بفسق تارك الواجب إذا توقف على مقدمات عديدة ،  لصدق  الاصرار على الحرام بذلك وعدمه ،  أو القول بجواز وعدم جواز أخذ الأجرة على مقدمة الواجب التعبدي أو الأعم  ، على تفصيل  وتأمل لا يسعه المقام ، ولعل إلى ذلك يشير السيد العم (دام ظله) بقوله ، فتأمل[22] .

الفائدة السابعة عشر : الاستحباب العقلي هو ما حكم به العقل ولم يترتب عليه الثواب ، والاستحباب الشرعي هو ما حكم به الشرع وترتب عليه الثواب.
الفرق بين الاستحباب العقلي والاستحباب الشرعي أمران:
الفرق الأول: إذا كان الحاكم بالاحتياط هو الشارع فالاستحباب شرعي وإلا فهو عقلي ؛ نظير البراءة العقلية والشرعية ؛ فإن كان مدرك البراءة  ((قبح العقاب بلا بيان)) فهي عقلية ، وإن كان مستندها ومدركها : ((رفع ما لا يعلمون)) فالبراءة شرعية ، هذا هو الفرق الأول في المنشأ والمدرك  ، وفي المقام نقول : ما هو مدرك الاحتياط الاستحبابي؟  فقد يقال : إن المدرك هو الشرع ؛ بدعوى أن عمومات أدلة الاحتياط تشمل كل هذه الصغريات كقوله (عليه السلام) :((أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك))[23] ، على تفصيل ونقاش في الاستدلال بهذه الرواية يترك لمحله، أو كقوله (عليه السلام) في الرواية المعروفة : ((أخوك دينك فأحتط لدينك بما شئت )) [24]  ، والجامع أن ذلك موقوف على إثبات الصغرى والكبرى ، أما اثبات الصغرى فبالقول : بأن الأوامر الواردة في شأن الاحتياط هي مولوية[25].
وأما إثبات الكبرى - فقد تقدم منا -  أن ما صدر من المولى بما هو مولى معملاً مقام مولويته فهو مولوي، سواء أكان وجوباً أو ندباً ؛ فإذا قبلنا هذا الكبرى واستظهرنا أن  (( أخوك دينك فاحتط لدينك)) [26]  صادر من الإمام (عليه السلام) بما هو مولى لا بما هو ناصح  فالوجه الأول يتم وإلا فلا ، وهذا هو الوجه الأول .
وعليه [27] فإن احتياطات الأعلم وغيره يستحب العمل بها شرعاً ؛  لصدور الأمر بها من الشارع فتكون مثل استحباب صلاة الليل فهي مستحب شرعي لا عقلي ؛ وبهذا يظهر وجه آخر للفرق وهو الآتي بيانه.
 الفرق الثاني : الفرق الثاني فهو ترتب الثواب على امتثال الاستحباب الشرعي وعدم ترتب الثواب على امتثال الاستحباب العقلي؛ إذ العقل يلزم أو يحبذ الاحتياط؛ لما فيه من إدراك المصلحة الملزمة أو تجنب المفسدة لكنه لا يثيب ولا يعاقب ، أما المولى بما هو مولى فإنه إذا الزم سيثيب على الإطاعة ويعاقب على المخالفة [28].
-----------------
[1] إذ لا يحكم العقلاء بشيء إلا وقد حكم العقل به، وبالعكس.
[2] لا يخفى أن ما ذكر من  مبني  هو على رأي المشهور - من عدم حكومة العقل في المصاديق والجزئيات - و أما على الرأي المنصور من حكومته فيها أيضاً ؛  فتكون الأحكام العقلائية في جوهرها مساوية للأحكام العقلية ، نعم قد يصطلح بها على بعض أنواعها، كما فيما ذكرناه في فقرة : ((وبتعبير أدق)) ، فتأمل.
[3]وهذه العبارة وردت في خطبة الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها التي رواه في معاني الأخبار : ص355، عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين عليهما السلام قال : لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليها اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها : يا بنت رسول الله كيف أصبحت  من علتك ؟ فقالت : أصبحت والله عائقة لدنياكم ... ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الوحي ... وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا وزرعكم حصيدا .
[4] تاريخ الطبري : ج4 ص 304 ، قال أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار إن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ،  مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ؛  فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله.
[5] كدفع الضرر البالغ ، وشكر النعمة ،  وجلب المنفعة الجسيمة  ، والاستحقاق .
[6] أي الكشف عن الأحكام العقلية عند الشك.
[7] الاجتهاد والتقليد: ص 85.
[8] وهي : الاجتهاد والتقليد والاحتياط .
[9]جلب النعمة ، ودفع الضرر ، وشكر النعمة ، والاستحقاق.
[10] الاجتهاد والتقليد:ص86.
[11] بيان الفقه في شرح العروة الوثقى : ج2 ص171.
[12] دون ما لو فسر يقتضي بــ (( ثباتاً )) إذ أنه مندرج في الأدلة والأخبار عندئذٍ .
[13] سورة التوبة: 120 .
[14] قال في الكفاية : ص 110 : لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الامر النفسي وموافقته ، واستحقاق العقاب على عصيانه ومخالفته عقلا ، وأما استحقاقهما على امتثال الغيري ومخالفته ، ففيه إشكال ، وإن كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته ، بما هو موافقة ومخالفة ، ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلا لعقاب واحد ، أو لثواب كذلك ، فيما خالف الواجب ولم يأت بواحدة من مقدماته على كثرتها ، أو وافقه وأتاه بما له من المقدمات ، نعم لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدمة ، وبزيادة  المثوبة على الموافقة فيما لو أتى بالمقدمات بما هي مقدمات له من باب أنه يصير  حينئذ من أفضل الأعمال حيث صار أشقها ، و عليه  ينزل ما ورد في الاخبار من الثواب على المقدمات ، أو على التفضل ، فتأمل جيدا .
[15] قال الشيخ في مطارح الأذهان : ص 68  : وهل يصح ترتب الثواب والعقاب على الواجبات الغيرية بمعنى استحقاق الآتي بالواجب الغيري وتاركه على وجه الامتثال ، والمخالفة للثواب والعقاب عقلا مطلقا أو لا يترتب مطلقا أو يفصّل بين ما إذا كان الوجوب الغيري مستفادا من خطاب أصلي فيترتب أو تبعي فلا يترتب أو يفصل بين الثواب والعقاب ويقال بعدمه في الأول وبترتبه في الثاني وجوه ، بل لعله أقوال .
[16] على كلام صاحب بيان الفقه (دام ظله) الذي جاء فيه : وما يستدلّون به عن الاستلزامات العقلية ونحوها إنما هي مقدمات لفهم الأخبار ونحوها، وتوفير القرائن الحالية ونحوها، وهذا لا يخرجه عن فهم الخصوصية، فتأمل.
[17] بل صِرف اللابدية فقط.
[18] سورة التوبة : 120.
[19] وقد ورد في الروايات الثواب العظيم في ذلك ،  منها رواه في كامل الزيارات : ص 254 : عن بشير الدهان ، عن أبي عبد الله عليه السلام  قال :إن الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام فله إذا خرج من أهله بأول خطوة مغفرة ذنوبه ، ثم لم يزل يدس بكل خطوة حتى يأتيه ، فإذا اتاه ناجاه الله تعالى فقال : عبدي سلني أعطك ، ادعني أجبك ، اطلب مني أعطك ، سلني حاجة اقضها لك ، قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام : وحق على الله أن يعطي ما بذل .
[20] سيأتي بأن الثواب والعقاب من تبعات القرب والبعد ، والأمر الغيري مما لا يوجب إطاعته قربا ولا عصيانه بعدا، سوى القرب أو البعد الحاصلين من الإتيان بالواجب النفسيّ أو من تركه ، وصاحب التقريرات  قد علل فقط.
[21] قال السيد الوالد (قدس سره) في الوصول إلى كفاية الأصول: ج2 ص114: والذي اظن في المقام التفصيل بين ما ورد في الآيات والأخبار من ثواب أو عقاب على المقدمات، مثل قوله تعالى: ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )  وقوله تعالى: (  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ) وكذلك الروايات الواردة من هذا القبيل. وفي طرف العقاب ما ورد من لعن غارس شجر الخمر الخ ونحوه، فاللازم القول بكون الثواب والعقاب فيها كالثواب والعقاب على سائر الواجبات والمحرمات النفسية طابق النعل بالنعل لعدم الداعي للتنزيل ولا فارق بين المقامين أصلاً، وبين ما لم يرد فيه من الشرع شيء ففيه توقف وتردد، والله تعالى هو العالم)) وذلك يعني أنه (قدس سره)  يرى الإمكان ثبوتاً وإنما هو في مرحلة الأدلة إثباتاً.
[22] التبعيض في التقليد: ص136.
[23] تهذيب الأحكام : ج2 ص 259.
[24] أمالي الطوسي : ص 110.
[25] بأن نستظهر منها ذلك.
[26] أمالي الطوسي : ص 110.
[27] أي على القول بتمام هذا الوجه ؛ وهو صدور الأمر من المولى بما هو مولى ، لا بما هو  ناصح .  (المحقق)
[28] الاجتهاد والتقليد: ص520.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2733
  • تاريخ إضافة الموضوع : ١٥ شوال ١٤٣٨هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29