• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 113- بحث اصولي: فارق الحقيقة عن المجاز بالدلالة التصديقية الثانية .

113- بحث اصولي: فارق الحقيقة عن المجاز بالدلالة التصديقية الثانية

بحث اصولي: فارق الحقيقة عن المجاز بالدلالة التصديقية الثانية*

 
اعداد: الشيخ عبد الرسول الدجيلي**
المستظهر إن فارق الحقيقة والمجاز بالإرادة الجدية[1] لا الاستعمالية المراد بها الظهور بحسب الوضع التعيني أو التعييني؛ إذ الإرادة الاستعمالية فيهما واحدة، بل هي موجودة حتى في الغالط والساهي والنائم، بل الإرادة الاستعمالية الثانية[2] فيهما أيضاً واحدة، وإن لم يشترك معهما الغالط والساهي فيها، إنما الإرادة الجدية إن طابقت الاستعمالية فحقيقة وإلا فمجاز.
وتفصيله: إن الإرادة الاستعمالية نوعان، والإرادة الجدية ثلاثة أنواع ـ أو فقل مراتب ـ :
الإرادة الاستعمالية الأولى: وهي ظهور اللفظ بحسب وضعه في معناه، والأجدر تسميتها بالدلالة الوضعية.
الإرادة الاستعمالية الثانية: أن يقصد إفهام المعنى من هذا اللفظ، أي: قدحه في ذهن الطرف الآخر وإيجاده فيه، فقد استعمله فيه بقصد الإفهام، فهي بعد التصديقية الأولى.
الدلالة التصديقية الأولى: أن يكون ملتفتاً للمعنى مقصوداً له لكنه غير بانٍ عليه، كما في الهازل والممازح والمخادع، فإنه ليس كالنائم أو الغالط لم يقصد المعنى بالمرة، بل إنه قصده لكنه لم يبنِ عليه.
الدلالة التصديقية الثانية: ما قصدها وبنى عليها بناءً غير مستقر.
الدلالة التصديقية الثالثة: ما بنى عليها بناءً مستقراً، أي: نهائياً.
وعليه: فالأولى قوامها بالالتفات وإلقاء تصور المعنى في روع الآخر، وأما الثانية فقوامها بالبناء عليها بناءً غير مستقر.
فيكون التسلسل هكذا:
1ـ ظهور اللفظ في معناه بحسب الوضع (وهو الدلالة الوضعية، وأسميناها بالدلالة الاستعمالية الأولى).
2ـ ظهور اللفظ[3] في الالتفات إليه وقصد معناه، أي تصوره له؛ فإن ظاهر حال المتكلم أنه ملتفت إليه، وليس غالطاً أو ساهياً، وهي الدلالة التصديقية الأولى، المراد بها التصديق بتصوره المعنى، أي: إفادة النطق باللفظ التصديق بتصوره المعنى أولاً.
3ـ قصد إلقاء هذا المعنى في ذهن الطرف الآخر وإيجاده فيه، وهي الإرادة الاستعمالية الثانية[4]، فقد استعمل اللفظ مريداً إيجاده في ذهن الآخر.
4ـ البناء عليه بناءً غير مستقر وهي التصديقية الثانية.
5ـ البناء عليه بناءً مستقراً، وهي التصديقية الثالثة.
وتشترك الحقيقة والمجاز والكناية في الأولين، أما الغالط والنائم فليست له الثانية، وأما الأولى فتنتفي بعدم الوضع[5]، ولا تشترط الثالثة في الكناية من حيث هي كناية، وإن أمكن ووقع في بعض الكنايات ذلك، بينما هي شرط في المجاز[6]، ولا يوجد البناء حتى غير المستقر عليه، إلا لو فصل القرينة موهما إرادة الحقيقة المطلقة، ويختص ذلك بمقام التعليم التدريجي الذي بنى فيه على تفكيك التصديقية الثانية عن الثالثة.
وتنفرد (الحقيقة) المطلقة بالأخيرة، والمقصود بالمطلقة ما استقرت عليها الإرادة التصديقية بكل معانيها، أي: حتى الثالثة وبحسب المآل أيضاً، أما الحقيقة غير المطلقة لدينا فهي أعم من الرابعة، وأما عند النحاة فإن الاستعمال في المعنى المجازي دون قرينة متصلة مجاز إن كانت قرينة عامة كقرينة مقام التعليم، وإلا فخطأ[7]؛ ولذا نرى أن الإطلاقات في مقام التعليم وإن لم تكن مرادةً بالإرادة الجدية التصديقية الثالثة هي حقيقة وليست بمجاز، رغم أنها ليست بمرادة، وعلى أي، فإن الفرق في تسميتها بالمجاز أو الحقيقة غير المطلقة اعتباري وليس مجرد اصطلاح،  فتدبر جيداً.
وأما الرابع فهو شأن مقام التعليم وشبهه، أي: من (يفكك بين الإرادة الجدية والاستعمالية).
والحاصل: إنه لدى التحقيق فإن الفارق بين الحقيقة والمجاز هو في الدلالة (أو الإرادة) التصديقية الثالثة والثانية دون الأولى، فإنها مشتركة.
ومن ذلك يظهر أن الإطلاقات الشارعية، التي بنى فيها على تفكيك الإرادة الجدية عن الاستعمالية، يقصد من عدم الإرادة الجدية فيها الإرادة (أو الدلالة) التصديقية الثالثة، لا الأولى ولا الثانية[8] ولا الاستعمالية الثانية، فإنه قصد إلقاء الإطلاق في روع المخاطب وإن لم يبنِ عليه مستقراً، لا أنه لم يقصده بالمرة.
والحكمة في قصد إلقائه في ذهن المخاطب مع أنه ليس بايناً عليه، ومن بنائه عليه بناءً غير مستقر انعقاد الإطلاق[9] كي يصلح مرجعاً لدى الشك، فإنه حينما يقيده بالمنفصل لاحقاً فإن المنفصل لا يكون معنوِناً له، فكلما شكّ كان المرجع الإطلاق،  ولا يكون حينئذٍ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، عكس ما لو قصد إيقاعه في ذهن السامع أبداً ولم يبنِ عليه بناءً حتى غير مستقر، فإنه لا يصلح مرجعاً لدى الشك في هذه الصورة؛ إذ يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فيكون كما لو كان المخصص متصلاً، فشك في مصداق ذلك بعد الإذعان بكون المتصل معنونا للعام أو في هذه الصورة على ـ على الرأيين ـ فتدبر جيداً.
وعليه: فإن المجاز ـ حسب المستظهر ـ له الإرادة الاستعمالية والتصديقية الأولى دون التصديقية الثانية والثالثة، فإنه في قوله رأيت أسداً يرمي ليس كالغالط لم يخطر بباله معنى الأسد أبداً، بل إنه قصده وقصد إفهام السامع بمعناه لكن من دون بناء[10] عليه، فالمتجوز مع الهازل والمخادع يشتركان في إرادة إلقاء المعنى الحقيقي في ذهن الطرف، ولكن يختلفان في أن التجوز لغرض عقلائي حسن،  والمخادع غرضه غير حسن والهازل كذلك، أما المازح فله غرض لكنه مع سنخ آخر. هذا كله عن الحقيقة والمجاز.
 --------------------------------------------------
 
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2380
  • تاريخ إضافة الموضوع : 26 ربيع الأول 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28