• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .
              • الموضوع : 217- الاهداف الثلاثة العليا للمؤمن والمهاجر والداعية: فضل الله، ورضوانه، ونصرة الله ورسوله .

217- الاهداف الثلاثة العليا للمؤمن والمهاجر والداعية: فضل الله، ورضوانه، ونصرة الله ورسوله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى، محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
الأهداف العظمى للمؤمنين والأولياء: طلب الفضل والرضوان ونصرة الله والرسول (صلى الله عليه وآله)
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
ويقول جلّ اسمه: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
ويقول جل اسمه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
ويقول جلّ اسمه أيضا: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا).
الحديث يدور حول أهداف المؤمن بشكل عام أولا، وحول أهداف المهاجر واللاجئ والمهجّر بشكل خاص ثانيا، وحول أهداف الموالي الحسيني، بمناسبة قدوم شهري محرم وصفر، ثالثاً، فما هي أهداف المؤمن بشكل عام؟ وما هو الهدف الذي يجب ان نجعله نصب العين دائما؟ ثم ما هي الأهداف التي على كل مهاجر أو من هو في طريقه الى الهجرة قسرا أو اختيارا، ان يجعلها نصب عينيه دائما؟. وما هي أهداف كل موالٍ حسيني؟.
ان هذه الدوائر الثلاث متطابقة، ولذا استعرضنا الآيات الكريمة الأربع في سياق واحد، ذلك ان أهداف المؤمن متطابقة مع أهداف المهاجر واللاجئ والمهجّر، وهي متطابقة مع الولائي الحسيني ومع مختلف التصنيفات القرآنية والنبوية والعلوية للمؤمنين، غاية الأمر انها تختلف في تمصدقاتها وفي تطبيقاتها كما سيأتي ان شاء الله.
ولنبدأ ببحث البصائر بصيرة بصيرة على ضوء هذه الآيات القرآنية الكريمة، ثم نوضح وجه الربط والجسر الواصل بين هذه الآيات وبين تلك المجاميع من الاهداف بإذن الله تعالى.
 
البصيرة الأولى: (يعظم شعائر الله) تعني: يُكثر، يُظهر، يُوجِد ويُذعن
 
يقول الله تعالى (ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب)
لقد كثر الحديث وينبغي ان يزداد عن هذه الآية الشريفة وعن سائر الآيات الكريمة، الا انه مهما كثر الحديث عن الآيات القرآنية الكريمة فانه يبقى قليلا رغم ذلك، ومن الممكن ان يستزيد الإنسان ويكتشف افاقا جديدا.
وهذه إشارة: ماذا تعني كلمة (يعظم)؟ وماذا يعني ان نعظم شعائر الله؟ توجد معاني اربعة محتملة:
الأول ان (يعظم) يعني يظهر. والثاني انها تعني: يُكثّر. والثالث انها تعني: يوجِد. والرابع انها تعني: يُذعن ويعترف ويعقد قلبه.
 
1- إظهار الشعائر الدينية والحسينية([1])
 
المعنى الأول: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه): بمعنى (يُظهر)، فمعنى انك عظّمت ذلك العالِم مثلاً يعني أظهرت له الاحترام والتعظيم، وعندما تقيم المجلس في الشوارع فقد أظهرت شعائر الله وعظمتها بإظهارك لها، وعندما تقيم المجالس في الفضائيات فقد أظهرتها وعظمتها أيضا. وعندما تكتب مقالات في الانترنت أو تضع صوراً وكلمات في الفيس بوك والتويتر فقد اظهرت شعائر الله وعظمتها وكذلك عندما تلبس السواد أو تبكي أو تلطم أو شبه ذلك، وذلك كما انك عندما تطوف حول الكعبة أو تسعى بين الصفا والمروة وعندما ترمي الجمرات فقد عظمت بذلك الاظهار شعائر الله.
والحاصل: انه قد يخفي الإنسان عمله وقد يظهره، فتارة يبكي في البيت وتارة يبكي في الجمع على سيد الشهداء (عليه السلام)، وتارة يلطم او يطبر أو يمشي على الجمر في الخفاء وتارة في العلن وفي الشوارع وعلى مستوى الفضائيات.
وعلى هذا المعنى فان (يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه)، والذي ينطبق عليه الجزاء (فانها من تقوى القلوب) يعني من اظهر شعائر الله فقلبه متقي اما من أخفاها فانه بنفس الدرجة فاقد لتلك الدرجة من التقوى ان لم يكن ذلك لاضطرارٍ او لتقية حقيقية وما أشبه ذلك.
 
2- تكثير الشعائر الدينية والحسينية
 
المعنى الثاني: (يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه) بمعنى (يُكثر) لان (يعظم) من باب التفعيل تقول: عظّم يعظم تعظيما كـ: فعّل يفعل تفعيلا، ومن معاني باب التفعيل التكثير، مثل قولك قطّعت الحبل تقطيعا، يعني اكثرت من تقطيعه، فلو قلت: (قَطَعْتُ الحبل)، فذلك يعني انك قطعته مرة واحدة فصار قطعتين، اما لو قلت: (قطّعت الحبل تقطيعا) فانه يعني أكثرت من تقطيعه، من هنا فإن (يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه) يعني من يُكثر من شعائر الله فانها من تقوى القلوب.
والحاصل: ان المعنى الأول يُظهر والمعنى الثاني يُكثر، ويكثر معنى آخر إضافي، فان الإنسان تارة يؤسس حسينية واحدة وتارة ينشئ عشر حسينيات، فقد عظّم شعائر الله أي أكثر منها، وكذلك تارة الانسان يرتقي منبرا واحدا وتارة عشر منابر، وتارة يؤلف كتابا واحدا عن سيد الشهداء (عليه السلام) وأخرى يؤلف عشر كتب، ويؤسس هيئة او يؤسس مائة هيئة. أو يطعم مرة أو مائة اطعام او إلف اطعام. اذن التكثير هو من التعظيم. وعلى نفس المستوى وبنفس الحجم والدرجة يكون تقوى قلب الانسان اكثر. فكلما ازداد قلب الانسان تقوى كلما ازداد لشعائر الله تعظيما أي تكثيرا وأيضاً اظهارا.
وهذا مقياس هام جداً: فمن اراد ان يكتشف ذاته وانه هل هو من مصاديق هذه الآية الكريمة؟ وبأية درجة؟ هل هو متقي حقا وبأية درجة من التقوى؟، لينظر لنفسه هل انه اكثر من شعائر الله او لم يكثر؟ وهل أظهرها أو لم يظهر؟
ان الانسان أحيانا في ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء يكون لابسا السواد، وأحياناً في كل العشرة وأحياناً أخرى في كل شهري محرم وصفر حتى التاسع من ربيع، يعني نهاية آخر الثامن. وهنا يكون قد عظّم شعائر الله بدرجة أرقى.
 ولو حصل أنه في ليلة العاشر مثلا خرج حافيا حاسرا غير مرتد العباءة، فانه بذلك يكون قد اظهر الحزن على سيد الشهداء (عليه السلام) اظهارا آخر أقوى وأظهر فلا شك ان تكون درجته اعلى.
والغريب ان البعض يستثقل ذلك أو نظائره وياللاسف، ولكن نقول له لماذا؟ ألسنا جميعا عبيداً لله؟ وهذا مظهر من مظاهر العبودية لله تعالى عبر المواساة ومشاطرة أولياء الله العظام مصابهم بهذا المقدار؟ وأليس المصاب بمصيبة عظيمة لا يفكر بالجماليات بل يخرج دون رداء أو حذاء أو... فكيف بمصابنا بسيد شباب أهل الجنة؟.
 
3- إيجاد مصاديق مستحدثة للشعائر الدينية والحسينية
 
المعنى الثالث: (يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه) بمعنى (يوجِد) .. يعني يوجد مصاديق جديدة ينطبق عليها هذا العنوان. فالتعظيم من معانيه ايجاد الشيء المشعر بالعظمة والدال عليها، فلو اوجدت مصداقا جديداً للتعظيم بحيث صدق عليه عرفا انه تعظيمٌ فقد عظّمت شعائر الله.
ومن هنا يظهر الجواب عن إشكال البعض بأن القيام او تقبيل اليد لم يكن سابقا زمن النص موجوداً، فنقول: فليكن غير موجود([2])، إذ يكفي ان يكون هذا مصداق التعظيم لوضوح ان تقبيل يدي العالم قربة الى الله تعالى، نوع تعظيم دون شك، فان العالم طريق هداية والعالم دليل إلى الآخرة وطريق الى الله تعالى، فما هي المشكلة؟ كما ان من مظاهر الاحترام والتعظيم ان نمشي خلف العالم الى الباب أو شبه ذلك.
وكذلك الأمر مع الشعائر الحسينية، فان بعض الناس يستشكل على بعض الشعائر بانها لم تكن موجودة سابقا. ونقول له: هل وجودها من قبل هو مقياس الحرمة وعدمها؟ وهل هو مقياس الشعيرية والشعائرية وعدمها؟ فإن السيارات لم تكن موجودة سابقا، وكذلك الفضائيات والشبكة العنكبوتية وغيرها، فاذا كان استعمالها – لمجرد عدم وجودها سابقاً - بدعة فكيف يستخدمها الوهابيون والسلفيون وأشباههم؟ وكذلك اللاقطة التي نتحدث عبرها والمكبّرة هل كانت من قبل؟.
والغريب أن بعضهم أفتى بان شرب الماء البارد حرام!! لانه لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) في الجزيرة العربية يشرب ماءا باردا!! والجواب واضح: ليس وجود الشيء او عدم وجوده سابقاً هو مقياس الحلية أو مقياس صدق عنوان الشعائرية، وانما الشعائر عنوان عرفي، فاذا صدق على شيء عرفا انه شعيرة، وكان في ذاته من المباحات، انطبقت عليه قهرا آية (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه). فلنفترض ان المشي على الجمر والشوك والتطبير لم يكن سابقا ولنفترض ان شخصا شكك او تصور ان بمقدوره التشكيك في رواية ان السيدة زينب (عليها السلام) نطحت راسها في المحمل([3]) فنقول لا نحتاج لوجود الشيء سابقا في اثبات حليته، إذ المهم ان تكون الضوابط منطبقة عليه. كما لا نحتاج لوجود الشيء سابقا لاثباب شعيريته. وقد اتضح ذلك من المثال السابق (الاحترام) فان الأعراف في الاحترام تختلف فكلما صدق في عرف على امر أنه احترام كان جديراً بالوالدين والعلماء.
ويتضح ذلك أكثر من مثال المكيل والموزون فان الشيء إذا كان من المكيل والموزون في هذا البلد فالربا فيه جار، وإذا كان من المعدود في بلد آخر فالربا فيه غير جار وذلك كما في مثال (البيض) أو أشباهه، فيمكن ان يعطي ثلاثاً ويأخذ اربعة. فهو موضوع عرفي اذا انطبق ينطبق عليه العنوان الشرعي العام.
 
4- الاذعان والاعتقاد بالشعائر الدينية والحسينية
 
المعنى الرابع : (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه) (يذعن بعظمتها)، ومن اذعن بعظمتها فقد عظمها في قلبه. ان بعض الناس يعتبر الشعائر من القشور، فنقول انه مظهر وليس بقشر! ذلك انه مظهر دالّ على المخبر بل انه صانع له، ولذا يقول الله تعالى: (صِبْغَةَ اللَّهِ)، ثم يقول: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَة )ان الصبغة والمظاهر مهمة جداً وهل يقبل العقلاء منطق شخص، مهما كان كبيراً، يلطخ وجهه بالوساخات ثم يحتج بان ذلك لا يؤثر لأنه مجرد مظهر!! كذلك لو خلع ملابسه تماماً وخرج عارياً أو بالعكس: لو أنه لبس لباس الشهرة المحرمة، فهل يشفع له ان يقول ان قلبي نظيف أبيض؟
اذن المعنى الرابع ليعظّم: ان يذعن بعظمتها. فمن يستخف مثلاً بالمشَّاية ويقول ما بال هؤلاء يضيعون 20 يوما بالمشي؟. فانه اما جاهل بالموضوع أو جاهل بالحكم وبمقاييس الشرع وبالآية الشريفة (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه) هذا ان احسنّا به الظن.
وصفوة القول: ان يعظم شعائر الله تعني 1- من يظهرها 2- ويكثر منها 3- ويوجد مصاديق جديدة لها بشرط ان تكون في دائرة المباحات، 4- ويذعن بها في قلبه، وعندئذ ينطبق عليه قوله تعالى: (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
وهنا نقول بان هذه الاحتمالات الأربعة في تصورنا لا مانعة جمع بينها، بل هي بأجمعها مقصودة، فهذا تحقيق وتنقيح للمعاني المختلفة المرادة من (يعظم)، فنرى هنا أن لها وجوها عديدة وكلها مقصودة.
هذه هي البصيرة الأولى على ضوء الآية الأولى (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه) وهي ترتبط – في العمق – بالآية اللاحقة التي تتحدث عن الأهداف الثلاثة: إبتغاء فضل الله وطلب رضوانه ونصرة الله ورسوله، فان تعظيم شعائر الله تعالى من أعظم وسائل نصرة الله ورسوله وبها يطلب رضوانه وفضله (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
البصيرة الثانية: أهداف المؤمن والمهاجر على ضوء الآيات القرآنية
البصيرة الثانية: حول قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، وقوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا). فقد حددت هاتان الآيتان الكريمتان الاهداف الثلاثة وهي:
أولاـ فضلا من الله.
ثانيا ـ ورضوانا.
ثالثا ـ وينصرون الله ورسوله.
وهذه الاهداف ذُكرت للمهاجر في الآية الأولى، كما ذكرت كصفات للذين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الآية الثانية، فهي اهداف للمؤمن بقول مطلق، إذ تشير إليها جميعاً الآية (الرابعة) في تسلسل بحثنا: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ترَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) وهذا هو الهدف وقد ذكر الهدف الثالث وهو (ينصرون الله ورسوله) تحت عنوان (أشداء على الكفار) فان هذه الصفة تقع في طريق هدفية النصرة. فتدبر
والان نتوقف عند اثنتين من المفردات الثلاث:
إن المؤمن بشكل عام وكل مهاجر ومهجر ولاجئ وكلّ حسيني وولائي وبرائي بشكل خاص، يجب أن تتمحور كافة أعماله وحركاته وسكناته في هذه الحياة على ضوء هذه الأهداف الثلاثة:
 
الأهداف العليا: طلب فضل الله ورضوانه ونصرة الله ورسوله
 
1ـ ان يبتغي في كل يوم من الله تعالى فضلا.
2ـ أن يبتغي على مدار الساعة من الرب الجليل رضوانا.
3ـ أن ينصر الله ورسوله لحظة بلحظة.
ولكن ماذا يعني (يبتغون فضلا من الله)؟ ان الفضل يعني الزيادة، فعلى المؤمن ان يطلب من الله الزيادة دوما. فلو رأى أحدنا نفسه متوقفا يوما عن الزيادة في العلم فقد خرج من العلة الغائية من خلقته ولم يعد مؤمنا بهذا المقدار من هذه الجهة.
 
والفضل أنواع فـ:
 
منه: الزيادة في العلم. فالمؤمن عندما يهاجر عليه ان يرصد مسيرته دوماً فهل انه يبتغي الزيادة من الله حتى يكون من أبرز العلماء؟ ام ينشغل بعمل عادي أو بمستوى عادي؟
ومنه: الزيادة في المال لغاية نبيلة وليس حبا في المال بل (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) فيسعى لكي يزداد مالا حتى يزدادوا عطاءً أو خدمة وإنجازاً، ليبني المساجد والحسينيات والمدارس أو يتكفل اليتامى والارامل، إنّ طلب المال ليس قبيحا ولا حسناً في حد ذاته بل ان الغاية هي التي تحدد ذلك، فهل يطلب المال طمعاً وإثرةً ولكي يكنزه فيكون مشمولا لقوله تعالى (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)؟ أم يطلبه لغاية نبيله فيحصل عليه من حلّه ويصرفه في محله.
ومنه: طلب الحاجات، فان المؤمن الموالي الحسيني عندما يذهب لمكة أو المدينة أو المشاهد المشرفة الأخرى فليس من القبيح أبداً ان يطلب الحاجات الدنيوية لأغراض نبيلة.
والحاصل: انه لا مانعة جمع بينهما: طلب الفضل الدنيوي وطلب الرضوان من الله، فيطلب المؤمن كليهما معا، لان الله واسع كريم، لذلك كان المؤمنون (يبتغون فضلا من الله ورضوانا).
 
الشيخ صفي الدين ينجح في هداية أمة
 
وفي القضية التاريخية الآتية عبرة كبيرة للذين يبتغون فضلاً من الله ورضوانا: ففي منطقة كانت تسمى قديماً بفطاني وتقع في جنوب تايلند حالياً، وكانت منطقة بوذية، حلّ فيها شخص اسمه الشيخ صفي الدين، ويبدو من القضية التالية ان هذا الرجل كان من المصاديق الظاهرة لمن ابتغى فضلا من الله ورضوانا حيث انه احدث تحولا استراتيجيا في تلك البلاد، منذ عام 751 هـ أي منذ حوالي 700 عاما وحتى الآن، فمنذ ذلك الحين فان تموجات الاسلام في تلك البلاد، ليس فقط في فطاني وانما حواليها ايضا، انبعثت وانطلقت من ذلك الرجل.
لقد كان الشيخ صفي الدين رجلاً واحداً لكنه ابتغى من الله (فضلا) بالطب و(رضوانا) بتسخير معرفته بالطب للهداية فرفعه الله الى ما رفعه اليه.  والقضية هي: ان ملك تلك البلاد الذي اسمى نفسه لاحقا بعدما أسلم محمد شاه كان بوذياً اسمه إندراسري وانغ سا هذا الملك البوذي مرض واشتد مرضه وتصدى لعلاجه أمهر الأطباء فعجزوا جميعاً عن علاجه، فأمر أن تدق الطبول وأن يعلنوا في أنحاء البلاد: ان كل من يستطيع ان يعالج الملك فليأت وليعرف نفسه، وهنا وجد الشيخ صفي الدين في ذلك فرصة مثالية للهداية (وهنا نعلق بالإشارة إلى أمر هام جداً وهو: ان رجال الدين كانوا سابقاً يمتلكون إلى جوار كونهم علماء، حرفة أو صنعة أو أكثر، فكان أحدهم رجل دين وبزازاً، والآخر كان رجل دين وحناطاً، والثالث: عالماً طبيباً أو تاجراً.. إلخ. اما الآن فان رجال الدين اتجهوا نحو التخصص بسبب التزايد السريع في نفوس البشر إذ تجاوزا الـ 7 مليارات بينما رجال الدين بعشرات الألوف فقط، إضافة إلى ان العلوم توسعت وتضاعفت مما يعني انهم بالكاد يتمكنون من توجيه امكاناتهم وطاقاتهم لاتقان الفقه والاصول وعلوم العقائد والكلام لهداية البشر فكيف يطلب منهم ان يكونوا – إلى جوار ذلك – تجاراً أو أطباء ومحامين أو شبه ذلك؟.
الشيخ صفي الدين جاء إلى البلاط الملكي وقال للملك علاجك عندي ولكن بشرطين، وعندما وافق الملك مبدئياً على الشرطين قال الشيخ صفي الدين: الشرط الأول ان لا تمنع حركة الدعوة الإسلامية والتبليغ الاسلامي في بلادك بعدها، فقال الملك هذا الشرط مقبول. قال الشيخ: واما الشرط الثاني – وهو اقتراح وليس شرطاً – فهو اذا شفيت ان تسلم اعني ان تستمع إلى أدلتي جيداً فلو تمت عليك الحجة تسلم، وافق الملك فعالجه الشيخ فشفي الملك تماما، فرفع الحضر عن الدعوة في بلاده، ثم استمع لأدلة الشيخ صفي الدين فاسلم واسمى نفسه محمد شاه.
ولقد كان الشيخ صفي ذكيا وكان يعلم ان بعض خيوط البلاد بيد من هم حول الملك، فجند نفسه لتعليم وهداية أسرة وعشيرة واحفاد الملك وعلى ضوء ذلك فان ابناء الملك (مظفر ومنصور) اسلما ثم صارا ملكين فيما بعد.
وبعد رحيل منصور الملك جاء ابنه بهدور الذي كان مسلماً أيضا، وقد جرى اغتيال بعض هؤلاء، ثم بعد أولئك جاءت امرأة مسلمة من الاسرة المالكة لقبها (راج هيجو)، وعندما يقرأ المرأ سيرتها يتمنى ان حكامنا إن لم يتعلموا من الأئمة (عليهم السلام) فليتعلموا من هذه المرأة([4]). فقد قامت هذه المرأة بنهضة عمرانية وزراعية وصناعية كبرى في البلاد وكانت السبب الاساس ومن حولها من المستشارين في استتباب الامن والاستقرار في البلد، ولذلك دخل بعد هذا التطور النوعي الناسُ في دين الله افواجا اكثر مما كانوا يدخلون من قبل، ذلك ان إيمان كثير من الناس هو رد فعل على تصرفات الحكام والعلماء، فاذا راوا الحكام اساءوا التصرف فانهم يتصورون الخطأ في الدين، واذا رأوهم احسنوا يعتقدون بان الدين هو الصحيح. بينما المقياس هو الدين بما هو هو والبراهين والأدلة بما هي هي وليس الشخص، ولكن الناس ليسوا غالباً هكذا.
وهكذا نجد ان شخصاً واحداً بلغ الذروة في التوفيق عندما ابتغى من الله فضلا بعلم الطب، وابتغى من الله رضوانا بتسخيره علم الطب لهداية الامة عبر هداية الحاكم ثم هداية أسرته والمجاميع الأخرى.
ان علينا ان نضع هذه الاهداف الثلاثة نصب اعيينا دائما. فعلينا يوميا ان نراقب ذواتنا، هل ازددنا علما؟ هل ازددنا اخلاقا؟ وهل ازددنا تكاملا في البعد الاداري؟ فان من يديرون المجالس والحسينيات والمؤسسات وحتى حلقات الدرس في الحوزة أو الجامعة  يحتاجون الى التكامل المستمر في علم الادارة والتربية وعلم النفس والاجتماع.
ان هذه الآيات الاربع متطابقة من حيث الهدف، وتعظيم شعائر الله هو الطريق والسبيل الذي حدده الله تعالى لنا لابتغاء فضله أولا، ولابتغاء رضوانه ثانيا، ولنصرة الله ورسوله ثالثا. فالترابط عميق وجوهري ودقيق. لان ابتغاء فضل الله ورضوانه كلي، والآية الشريفة تحدد احدى أهم الطرق لابتغاء فضل الله ورضوانه، وهي تعظيم شعائر الله تعالى.
وعلى ذلك فان الذين يعظمون شعائر الله، من قبيل الذين يقيمون المجالس الحسينية في بقاع العالم، والذين يؤسسون الحسينيات في ارجاء العالم، والذين يؤسسون المساجد والمكتبات والمستوصفات، والذين يمشون في زيارة الاربعين، والذين يرفعون راية شعائر الله في الفضائيات وغيرها، هؤلاء جميعا ابتغوا من الله فضلا ورضوانا، والرب الكريم سوف يثيبهم التوفيق والرضوان والذرية الصالحة فان هذه الشعائر تحفظ اولادنا وبناتنا وأحفادنا فانهم اذا تربوا في هذه الاجواء الإيمانية فان اقتضاء الهداية فيهم يكون أقوى بكثير واقتضاء الشط عن الطريق سيكون اضعف. وسوف توفر لهم هذه المجالس الحصانة – عادة – من ان ينجرفوا إلى صفوف الارهابيين او المفسدين في الارض، هذا من جهة ومن جهة أخرى فانه تعالى سوف يزيدهم من فضله الدنيوي، والذي ينكر اما مكابر او جاهل، وقد قال تعالى: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) والنصرة عامة للدنيا وفي الاخرة.
والحاصل: ان تعظيم شعائر الله هو ذاك الطريق الواسع الرحب لنيل الفضل من الله..
 
من يرفع ألوية التكبير والتهليل والحمد والتسبيح في المحشر؟
 
ولنعرّج في ختام حديثنا مرة أخرى إلى جعفر الطيار الذي كان مصداق المؤمن الذي كان مثالياً في وطنه في هذه الابعاد الثلاثة (يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله) وكان مثالياً في المهجر ايضا. والبحث حوله طويل نكتفي برواية عنه. فإن جعفراً (رضوان الله عليه) بلغ مقاماً عظيما قد لا يصدق وكلما تصفحنا حياته و قرأنا ما ورد من الروايات عنه اكتشفناه رجلا عملاقاً في قمة قمة القمة. وذا مقام عظيم جدا جدا لذا كان لزاماً علينا أن نكتب عنه ألوف الدراسات، وعشرات الالوف من المقالات وان نقيم الكثير جداً من الندوات والمؤتمرات والدورات لكي يتحول بالفعل إلى قدوة واسوة للمؤمنين جميعاً وللاجئين والمهاجرين بالذات.
ويكفي ان نعرف من فضائل جعفر الطيار انه في يوم القيامة ترفع ألوية على مستوى المحشر كله:
فالنبي محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) يرفع في يوم القيامة لواء الحمد، وكل من انتمى لرسالة محمد (صلى الله عليه وآله) سوف يكون منضويا تحت تلك الراية النبوية العظمى.
واما راية التهليل فسوف يرفعها الامام علي (عليه السلام) وهي راية لا اله الا الله.
وأما جعفر الطيار فانه يرفع لواء التسبيح في سماء المحشر.
ويرفع لواء التكبير حمزة بن عبد المطلب.
فأي مقام عظيم ناله جعفر وحمزة إذ اصبحا ثالث الأركان ورابعها؟ إذ ذلك حقيقة فوق مستوى الخيال مهما حلّق واستطال.
ان على الانسان في حياته ان يتأسى بهؤلاء العظماء، وان يضع هذه الكلمات النورانية أمامه دائماً: (يبتغون فضلا من الله ورضوانا)، فيسأل نفسه في كل يوم هل ابتغيت في هذا اليوم فضلاً من الله ورضوانا في زيادة من التقوى والورع وحسن الظن بالله وحسن الظن الناس؟، وهل جددت في طلب رضوانه تعالى عبر القضاء على شهوات النفس والعجب والكبر والرياء وغير ذلك أو لا؟
نسال الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا وإياكم ممن يبتغي من الله فضلا آنا فآنا، وممن يبتغي من الله رضوانا لحظة بلحظة وممن ينصر الله ورسوله على مدى السنين والشهور والأيام والساعات واللحظات، انه سميع الدعاء.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
=============================
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1863
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 23 ذو الحجة 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29