• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الفقه (المكاسب المحرمة) .
              • الموضوع : 313- الاستدلال بـ( والفتنة اكبر من القتل ) والاحتمالات الخمسة ، والجواب ــ الاستدلال بطوائف من الروايات على حرمة النميمة 1ـ ماورد فيها لفظ النّمام او القتّات .

313- الاستدلال بـ( والفتنة اكبر من القتل ) والاحتمالات الخمسة ، والجواب ــ الاستدلال بطوائف من الروايات على حرمة النميمة 1ـ ماورد فيها لفظ النّمام او القتّات

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
النميمة
 
(16)
 
الاستدلال بـ(وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ)
 
وقد استدل البعض على حرمة النميمة بكونها المراد من قوله تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ)([1]) كما حكاه الشيخ في المكاسب([2])
 
أقول: الاستدلال بالآية الكريمة يتوقف على تحقيق معنى (الفتنة) في الآية الشريفة، والأقوال أو المحتملات فيها خمسة:
 
الأقوال والمحتملات في معنى الفتنة
 
أ- الشرك
 
الأول: ان المراد بها الشرك أو الكفر، وقد دلت على ذلك بعض الروايات كما فيما رواه في نهج البيان عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) (الفتنة هنا الشرك)([3]) فعليه فالآية أجنبية عن النميمة.
 
لا يقال: التفسير بالمصداق؟
 
إذ يقال: قوله (هنا) ظاهر في ان التفسير بالحدّ لا بالمصداق، أي انه (الشرك) حدّ للفتنة وكالتعريف لها لا مصداق لها أي انه تفسير بالمساوي لا الأخص، سلمنا لكنه موجب لإجمال المراد فلا يصح الاستدلال.([4]) كما جاء في تفسير علي بن إبراهيم: (والفتنة – يعني الكفر بالله – أكبر من القتل)([5]).
 
ويؤكد ذلك ما قاله الطوسي في تبيانه (معناه:‌ الفتنة ‌في‌ الدين‌ و ‌هي‌ الكفر، أعظم‌ ‌من‌ القتل‌ ‌في‌ الشهر الحرام‌... وروى‌ أصحابنا: ‌أنه‌ ‌علي‌ التحريم‌ فيمن‌ يري‌ لهذه‌ الأشهر حرمة، فإنهم‌ ‌لا‌ يبتدءون‌ ‌فيه‌ بالقتال‌ وكذلك‌ ‌في‌ الحرم‌، وإنما أباح‌ ‌تعالى‌ للنبي‌ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قتال‌ أهل‌ مكة وقت‌ الفتح‌، ولذلك‌ ‌قال‌ ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ‌إن‌ اللّه‌ أحلها ‌في‌ ‌هذه‌ الساعة، و ‌لا‌ يحلها لأحد بعدي‌ ‌الي‌ يوم القيامة)([6]).
 
وقال الطبرسي: (والفتنة أشد من القتل) (أي: شركهم بالله وبرسوله، أعظم من القتل في الشهر الحرام. وسمي الكفر فتنة لأن الكفر يؤدي إلى الهلاك، كما أن الفتنة تؤدي إلى الهلاك)([7])
 
ب- التعذيب
 
الثاني: ان المراد به التعذيب (أو العذاب)، وهو وإن كان أحد المعاني التي ذكرها البعض للفتنة إلا انه لا دليل على إرادته من الآية حتى مع قطع النظر عن الرواية؛ فانه محتمل لا غير ولا قرينة تدل عليه.
 
ج – إيجاد الاختلاف في صفوف المسلمين
 
الثالث: ما استظهره الميرزا التبريزي من (فإن ظاهرها – بملاحظة صدرها – إيقاع الفتنة بين المؤمنين وتفريق صفوفهم في مقابل الكفار فإن هذا أكبر من قتل المؤمن، ولا يترتّب ذلك على كلّ نميمة حتى تقتضي حرمتها مطلقاً، قال عزّ من قائل: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ)
 
وبتعبير ثالث: لا يكون مطلق إيقاع الخلاف بين اثنين أكبر من قتل المؤمن، والتعبير بأنّها أكبر من القتل قرينة واضحة على أنّ المراد بها الفتنة الخاصة وهي إيقاع الخلاف والتشتت في صفوف المسلمين بداعي تضعيفهم في مقابل الكفّار)([8]).
 
أقول: كلامه وإن صح بالنسبة لنفي إرادة مطلق النميمة استناداً إلى مناسبات الحكم والموضوع وبداهة ان مطلق النميمة أي حتى مثل الموجب للكدورة فقط ليس أكبر من القتل، إلا انه لا يصح في ما اثبته إذ لا قرينية لصدر الآية بالمرة على إرادة المعنى الذي ذكره إذ لا يستشم من صدرها إيقاع الخلاف والفتنة بين المؤمنين، بل صدرها ان استشم منه شيء فهو إرادة الكفر أو الاخراج والنفي أو مطلق التعذيب أو المعنى الرابع الآتي – وهو الأقرب بعد المعنى الأول، إضافة إلى ان الأكبر من القتل هو الشرك أو بعض أنواع التعذيب أو خصوص النميمة الموصلة التي تؤدي إلى سفك الدماء وهتك الأعراض ومصادرة الأموال وانكسار الجيش الإسلامي مما يؤدي إلى الخطر، لا خصوص ما ذكره فان صِرف تضعيف المسلمين ما لم يؤد إلى أحدى المذكورات لا دليل على انه أكبر من القتل اللهم إلا ان يقصد ما ذكرناه والقصور في التعبير.
 
د- النميمة التي تستدعي سفك الدماء و...
 
الرابع: ان المراد من (الفتنة) خصوص النميمة التي تؤدي إلى سفك الدماء وهتك الأعراض وسحق الحقوق وهدر الأموال، وفي المقام: التي تؤدي إلى انكسار الجيش الذي يؤدي إلى ذلك.
 
وهذا المعنى لو تم فانه أخص مطلقاً من النميمة فلا يصح الاستدلال به على حرمتها بقول مطلق، على انه لا دليل عليه من الروايات ولا من سياق الآية وإن كان على مقتضى القاعدة.
 
و- مطلق النميمة
 
الخامس: ان المراد من (الفتنة) مطلق النميمة، وهذا هو الذي لو تم لصحح الاستدلال بالآية على حرمتها مطلقاً، لكن دون إثباته خرط القتاد إذ لم يرد في اللغة تفسير الفتنة بالنميمة ولا ورد في التفاسير تفسيرها بها بقول مطلق بل يشهد تتبع موارد استعمالاتها في القرآن الكريم بإرادة غيرها:
 
من موارد استعمال النميمة في القرآن ومعانيها
 
كقوله تعالى: (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ولعل المراد به الاختبار والابتلاء قال في التبيان: (اختبرناك‌ اختباراً. و المعني‌ انا عاملناك‌ معاملة المختبر ‌حتي‌ خلصت‌ للاصطفاء بالرسالة، فكل‌ ‌هذا‌ ‌من‌ اكبر نعمه‌. و ‌قيل‌: الفتون‌ وقوعه‌ ‌في‌ محنة ‌بعد‌ محنة ‌حتى خلصه‌ اللّه‌ منها: أولها‌-‌ ‌أن‌ امه‌ حملته‌ ‌في‌ السنة ‌الّتي‌ ‌کان‌ فرعون‌ يذبح‌ ‌فيها‌ الأطفال‌، ‌ثم‌ القاؤه‌ ‌في‌ اليم‌، ‌ثم‌ منعه‌ ‌من‌ الرضاع‌ ‌إلا‌ ‌من‌ ثدي‌ أمه‌، ‌ثم‌ جره‌ لحية فرعون‌ ‌حتى‌ ‌هم‌ بقتله‌، ‌ثم‌ تناوله‌ الجمرة بدل‌ الدرة، فدرأ اللّه‌ بذلك عنه‌ قتل‌ فرعون‌، ‌ثم‌ مجي‌ء رجل‌ ‌من‌ شيعته‌ يسعي‌ ليخبره‌ ‌بما‌ عزموا ‌عليه‌ ‌من‌ قتلة. و‌ذلك ‌عن‌ ‌إبن‌ عباس‌ فالمعنى ‌على ‌هذا‌ و خلصناك‌ ‌من‌ المحن‌ تخليصاً. و ‌قيل‌ معناه‌ اخلصناك‌ إخلاصاً. ذكره‌ مجاهد)([9]).
 
و(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) والمراد به (ما يحصل عنه العذاب) كما قيل([10]) وقال الوالد في التبيين (وهي عصيان الرسول) في قضية جدّ ابن قيس([11]) وهي كما جاء في التبيين: ( (ومنهم) من المنافقين (من يقول ائذن لي) في عدم الجهاد في تبوك (ولا تفتني) توقعني في الفتنة، قال جد بن قيس: ائذن في التخلف فإني مولع بالنساء فأخاف أن افتتن ببنات الأصفر (ألا) للتنبيه (في الفتنة) وهي عصيان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (سقطوا) فقد وقعوا فيما زعموا أنهم فروا منه (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) فهم إن خرجوا للجهاد وقعوا في فتنة بنات الأصفر وإن تخلفوا وقعوا في فتنة العصيان)([12]).
 
و(عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ)([13]) أي يبتليهم ويعذبهم أو (يصرفهم عن الإيمان) كما في التبيين.
 
و(الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)([14]) و(يفتنون: أي يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم) كما في التبيين، وقال في التبيان (ومعناه‌ ‌لا‌ ينالهم‌ شدائد الدنيا والأمراض‌ وغيرها، ويحتمل‌ ‌أن‌ ‌يکون‌ المراد بذلك‌ إن‌ ‌هي‌ الا عذابك‌ و‌قد‌ سمّى اللّه‌ ‌تعالى‌ العذاب‌ فتنة ‌في‌ ‌قوله‌ (يَوم‌َ هُم‌ عَلَي‌ النّارِ يُفتَنُون‌َ) أي ‌ يعذبون‌، فكأنه‌ ‌قال‌ ليس‌ ‌هذا‌ الإهلاك‌ ‌إلا‌ عذابك‌ ‌لهم‌ ‌بما‌ فعلوه‌ ‌من‌ الكفر وعبادة العجل‌، وسؤالهم‌ الرؤية، و‌غير‌ ‌ذلك)([15]).
 
و(وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) أي يوقعونك في شدة وبلية، أو عذاب.
 
و(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)
 
و(يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ) أي الافتتان والانحراف، وقال في الصافي (يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم والرعب في قلوبكم وإفساد نياتكم في غزوتكم)([16]) وقال الطوسي (معناه يطلبون لكم المحنة باختلاف الكلمة والفرقة)([17])
 
و(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)([18]) أي عذبوهم كما في التبيان.
 
والحاصل: ان الفتنة لها معاني: الاختبار والبلية والشدة والعذاب (ما يحصل عنه العذاب)
 
واما أصلها لغة فقيل: (أصل صحيح يدل على ابتلاء واختبار ومن ذلك الفتنة وفتنت الذهب بالنار إذا امتحنته)([19]) وقيل: (أصل الفتنة: ادخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته)([20]) وقال الطوسي (و أصل‌ الفتنة إخراج‌ خبث‌ الذهب‌ بالنار)([21])
 
وليس ههنا موضع تحقيق معناها، بل الشاهد انها لم تفسر بالنميمة أبداً وإن صدق عليها فلكونها في الجملة من أنواع ما يحصل عنه العذاب أو هي في الجملة من أنواع العذاب أو البلية أو الاختبار فتأمل
 
الاستدلال بالروايات
 
ثم ان الفقهاء استدلوا على حرمة النميمة بقول مطلق بالروايات وهي على طوائف:
 
روايات حرمة الجنة على النمام
 
الطائفة الأولى: ما أفادت تحريم الجنة على النمام، وهي روايات عديدة فيها الصحاح وغيرها، وقد استدل بها جمع ومنهم الميرزا التبريزي في إرشاد الطالب قال: (نعم، لا ينبغي الريب في حرمتها مطلقاً، ويكفي في إثباتها الروايات، كصحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام )، قال: ((حرمت الجنة على ثلاثة: النمّام، ومدمن الخمر، والديوث وهو الفاجر))([22])، وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال: ((الجنة محرّمة على القتاتين المشّائين بالنميمة)))([23])
 
أقول: قد يورد على الاستدلال بهذه الطائفة بوجوه:
 
الأول: ان الوارد فيها هو النمّام أو القتّات، وهي فعال فلا تفيد إلا تحريم الجنة على من أكثر من النميمة لمكان صيغة المبالغة دون من أتى بها مرة أو مرتين.
 
وقد سبقت الإجابة عن ذلك بوجوه. وللحديث صلة
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
 
 ===========================
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1599
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 7 جمادي الآخر 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19