• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 248- بحث عن قاعدة الملازمة وجريانها في المقام ـ اشكالات ثلاثة على الاستدلال بالاية الكريمة .

248- بحث عن قاعدة الملازمة وجريانها في المقام ـ اشكالات ثلاثة على الاستدلال بالاية الكريمة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث 
 
(10) 
 
الأدلة على حرمة اللهو من الآيات 
 
أ- قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) 
 
أقول: لا شك في ان الآية الشريفة بصدد ذم الذين إذا رأوا لهواً انفضوا إليه وتركوا النبي قائماً، لكن الاستدلال بهذه الآية يتوقف أولاً على كونها صغرى قاعدة الملازمة وإلا فلا يتم الاستدلال بها، وبيان ذلك يتم في ضمن رسم أمور: 
 
الاستدلال بالآية بضميمة قاعدة الملازمة وإيضاح المراد منها 
 
الأول: ان قاعدة الملازمة هي (كلما حكم به العقل حكم به الشرع) ومرجع الضميرين في (به) على حسب تصريح بعضهم([1]) والمستفاد من بعضهم الآخر هو (كلما حكم بقبحه العقل حكم بحرمته الشرع) أو (كلما حكم بالمذمة عليه العقل حكم بحرمته الشرع)، فلو التزمنا بهذه الكبرى الكلية، كما التزم بها الكثيرون ولعله المشهور خلافاً للمنصور، فتُضم إلى الآية الشريفة التي يستفاد منها الصغرى فيقال: ان الانفضاض إلى اللهو قبيح أو مذموم – بحكم الآية - وكلما حكم بقبحه أو المذمة عليه العقل حكم بحرمته الشرع – قاعدة الملازمة - فهو حرام. 
 
لكن ذلك موقوف على الإذعان بان ذم الشارع أو تقبيحه كاشف عن ذم العقل أو تقبيحه لتتم الصغرى وإلا لم تكن هذه الصغرى صغرى كبرى قاعدة الملازمة([2])، إلا ان إثبات ذلك سهل نظراً لالتزام العدلية بتبعية الأحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات فنقول وكذلك تبعية مناشئ الأحكام (كالقبح) وملزوماتها أو لوازمها (كالذم) لجهات واقعية كشف عنها الشارع فلا ريب – على هذا - بحكم العقل بقبحها أو الذم عليها لو اطلع عليها، ويكفيه الشارع مرآة كاشفة. 
 
لكن المبنى محل تأمل عندنا إذ ذهبنا إلى ان الملازمة إنما هي واقعة بين الحرمتين أو الذمين أو القبحين لا بين القبيح والحرمة([3]) وذلك نظراً لوجود درجات للقبح لا تلزمها الحرمة بأجمعها بل بعضها فقط، ويدلك على هذا ان المكروه قبيح بل وكذا ترك الأولى لكنه ليس بحرام، ودعوى ان كل قبيح عقلي فهو بدرجة الحرمة بلا دليل بل الدليل على خلافها([4]). 
 
وعلى أي فان الاستدلال تام على مبنى المشهور في قاعدة الملازمة. 
 
جريان قاعدة الملازمة في سلسلة علل الأحكام فقط أو مطلقا 
 
الثاني: ان عدداً من الأعلام كالميرزا النائيني خص قاعدة الملازمة بما إذا كانت في سلسلة العلل([5]) لا بما إذا كانت في سلسلة معاليلها([6])، خلافاً لمثل السيد الوالد وهو المنصور (أي التعميم للسلسلتين لكن بين الحرمتين أو القبحين كما سبق). 
 
توضيحه: ان الأحكام كالوجوب والحرمة – وهي أمور انشائية واعتبارات موجَدة([7]) – لها علل هي المصالح والمفاسد ثم بعد ان أنشأت تتولد منها معاليل وأحكام. 
 
فمثلاً: حرمة ضرب اليتيم حكمٌ، وعلته هي انه ظلم ومعلوله انه يجب امتثاله إذ حيث حرم وجب الانزجار فوجوب الانزجار واقع في سلسلة معاليلِ لا تضرب اليتيم فانه متولّد عنها اما الظلم فانه علة لإنشاء وجعل حرمة ضربه. 
 
وقد استثنوا سلسلة المعاليل لدعوى لزوم التسلسل أو اللغوية أو غيرها من حكم الشرع بها على طبق حكم العقل، وقد أجبنا عن ذلك كله في (الأوامر) و(فقه التعاون) فليلاحظ([8]) 
 
وعلى أية حال فان (اللهو) واقع في سلسلة علل الأحكام فانه سبب تحريم الغناء أو الرقص أو الشطرنج، فهو مورد قاعدة الملازمة دون كلام – على مبناهم -. 
 
مناشئ حكم العقل بالقبح 
 
الأمر الثالث: ان مناشئ حكم العقل بالقبح أربعة: 
 
1- القبح الذاتي بحسب اقتضاء ذات الشيء. 2- كونه مفوِّتاً لغرض المولى. 
 
3- كونه مستلزماً للضرر. 4- كونه كفران النعمة. 
 
وكل هذه الأربعة مجتمعة في (اللهو) فإن العقل يدرك – أو يحكم – بقبحه ذاتاً. 
 
كما انه مفوِّت لغرض المولى من الخلقة، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) و(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) 
 
واما كونه مستلزماً للضرر فلما ثبت في مباحثِ كلٍّ منها من ان الشطرنج مضر بخلايا المخ وان الغناء مضر بالأعصاب... وهكذا مما يوكل تفصيله لمحله، على ان الضرر المحتمل في المقام أخروي – إضافة للدنيوي – والآخروي أدنى ضرر منه هو أبلغ من كل ضررٍ بالغٍ واحتمال الضرر والخطر في الشؤون الخطيرة منجز، فتأمل([9]). 
 
كما ان اللهو نوع كفران نعمة إذ بدل ان يشكر الله تعالى بالقول والفعل والعبادة والخدمة والعمل الصالح ليل نهار على نعمه اللامتناهية كيف ينصرف إلى اللهو([10])؟ هذا. 
 
إشكالان على الاستدلال بالآية الكريمة 
 
لكن مع ذلك كله، وحتى مع قبول كون المقام صغرى القاعدة وقبول الملازمة بين القبح والحرمة، فان الظاهر ان الاستدلال بالآية غير تام لوجوه: 
 
الأول: ان الظاهر ان الذم هو على (وَتَرَكُوكَ قَائِماً) فقط أو على مجموع (انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً) فلا تصح دعوى ان اللهو مذموم لو انفرد ويؤكده حال التجارة فانها ليست مذمومة لو انفردت إنما الذم على المجموع أو على تركه ( صلى الله عليه وآله ) قائماً. 
 
والحاصل: ان الذم على المركب من أجزاء لا يستلزم الذم على آحادها لو انفردت. 
 
سلمنا، لكن لا أقل من الاحتمال الموجب للإجمال فسقوط الاستدلال فتدبر. 
 
الثاني: ان النهي لو كان فهو إرشادي تنزيهي وليس مولوياً تحريمياً وذلك بقرينة (خير) الظاهرة في ان ذلك للإرشاد إلى مصلحتهم ويؤكدها قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) الصريحة في ان الرزق عند الله فلو التزمتم بالرسول ( صلى الله عليه وآله ) وتركتم التجارة لحصلتم على الرزق الأحسن. 
 
ولذلك قال السيد الوالد في الفقه المكاسب المحرمة (وقوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها) ومن الواضح: انه لو كان حراماً أنكره النبي ( صلى الله عليه وآله )، بالإضافة إلى السياق، وإنما كان الإنكار عليهم من جهة تركهم له ( صلى الله عليه وآله ) قائماً في الخطبة، مضافاً إلى دلالة (خير) على الجواز)([11]). 
 
أقول: لكن قد يورد عليه انه مع إنكار الآية لا ضرورة لإنكار النبي ( صلى الله عليه وآله ) وانه لعله ( صلى الله عليه وآله ) انكر ولم يصل إلينا، ولا يقال: لو كان لبان، وذلك للاكتفاء بإنكار الآية فلا تتوفر الدواعي لنقل إنكاره ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً، وان السياق – بكون اللهو بعد التجارة – ليس من الأدلة لوضوح ان بناء الروايات([12]) على ضم الواجب إلى المستحب والحرام للمكروه وسوقها بعصا واحدة – اللهم إلا ان يقصد بذلك التأييد فتأمل نعم جوابه الآخر تام كما سبق. وللحديث صلة 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) راجع مثلاً فوائد الأصول ج3 ص120 – 121 وص366. 
 
([2]) لأن مقدَّم قاعدة الملازمة هي (كلما حكم به العقل...) وليس (كلما حكم به الشرع) إذ هذه قاعدة أخرى، وقد فصلنا الحديث عنها في (رسالة في قاعدة الملازمة). 
 
([3]) فيصح كلما حكم به – أي بحرمته - العقل حكم بحرمته الشرع ولا يصح: كما حكم به – أي بقبحه أو الذم عليه - العقل حكم بحرمته الشرع.. وهكذا. 
 
([4]) وذلك بشهادة أمثال ترك الإحسان للغير لا لمزاحم أو مانع فانه قبيح عقلاً لكنه ليس بحرام. 
 
([5]) أي علل الأحكام. 
 
([6]) راجع فوائد الأصول، تقريرات الكاظمي للميرزا النائيني بحث التجري. 
 
([7]) أو مبرزَة أو هي إيجاد الاعتبار – على الأقوال في المسألة وما في المتن هو المنصور. 
 
([8]) ولذا ذهبنا إلى ان أمر الطاعة (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) أمر مولوي شرعي، وليس إرشادياً مع انه متفرع على صدور الامر والنهي (فإذ صدرت سابقاً أوامر ونواهي من المولى قال: اطيعوها). 
 
([9]) فان الضرر الاخروي مندفع بأدلة البراءة النقلية بعد الفحص. 
 
([10]) فصلنا البحث عن مدى إطلاق وجوب شكر النعمة في (فقه التعاون). 
 
([11]) الفقه ج1 -2 ص 60-61. 
 
([12]) والآيات في الجملة.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1380
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 25 ذو القعدة 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28