• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 246- النسبة بين اللهو واللهي هي العموم من وجه ـ علامات فارقة بين الواوي ( اللهو ) واليائي ( اللهي ) ـ توضيح وجه الخلط في استدلال البعض بروايات ( اللهي ) على حرمة ( اللهو ) ـ اهمية منهج التحقيق والتدقيق .

246- النسبة بين اللهو واللهي هي العموم من وجه ـ علامات فارقة بين الواوي ( اللهو ) واليائي ( اللهي ) ـ توضيح وجه الخلط في استدلال البعض بروايات ( اللهي ) على حرمة ( اللهو ) ـ اهمية منهج التحقيق والتدقيق

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث 
 
(8) 
 
أدلة على الفرق بين اللهو واللهي 
 
5- كما يعرف ان الناقص واوي أو يائي من التصغير، ففي المقام يعرف مغايرة اللهو لِلَّهي من تصغير اللهو على (لُهَيْوْ) وتصغير (اللهي) (لُهيّ) كتصغير الرَّمْي على رُميّ والرَمية على رُميَّة عكس الغزو على غزيو والغزوة على غزيوه أو الدعوة على دُعَيوه. فتأمل 
 
النسبة بين اللهو واللهي العموم من وجه 
 
كما يظهر الفرق بين الموضوع له فيهما بملاحظة النسبة بينهما فانها العموم والخصوص من وجه: 
 
فمادة افتراق اللهي عن اللهو: ما لو التهى بأمر جادٍ غيرِ لهوي عن أمر آخر أهم أو مساوي أو مرجوح، كما لو التهى بالدرس عن التجارة أو العكس أو التهى بعلم كالكلام عن علم آخر كالفقه أو العكس أو التهى بدراسة علم الرياضيات عن ذكر الله فانه لهي وليس بلهو إذ ليس أي شيء منها لهواً. 
 
ومادة افتراق اللهو عن اللهي: ما لو كان اللهو سبباً لجلب انتباهه للأمر الآخر لا لصرفه عنه كما لو كان غناؤه اللهوي سبباً للتفكير في مادته غير اللهوية إذ قد تكون أمراً علمياً بل قد تكون القرآن الكريم نفسه لو تغنى به – وهو حرام كما لا يخفى – فهو لهو وليس بلهي إذ لم يلههه عن الأهم بل ساقه إليه ولو بزعمه.
 
وقد يجتمعان: كما في الرقص والغناء والشطرنج الصوارف عن ذكر الله تعالى أو عن التجارة أو عن العلم أو عن الاهتمام بالعيال وغير ذلك؛ فانها لهو ولهي معاً. 
 
وتدل على ما ذكرنا كلمات اللغويين التي نقلوها عن العرب 
 
قال في لسان العرب (لها: اللهو: ما لهوت به ولعبت به وشغلك من هوى وطرَبٍ ونحوهما. وفي الحديث: ليس شيء من اللَّهْو إلا في ثلاث أي ليس منه مباح إلا هذه، لأنَّ كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه. واللهو: اللعب. يقال: لهَوْتُ بالشيء ألهُو به لَهْواً وتلهَّيْتُ به إذا لعبت به وتشاغلت وغفلت به عن غيره. ولهيتُ عن الشيء، بالكسر، ألهَى، بالفتح، لُهِيًّا ولِهْياناً إذا سلوت عنه وتركت ذكره وإذا غفلت عنه واشتغلت. وقوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً)؛ قيل: اللَّهو الطبل، وقيل: اللهو كل ما تُلُهِّيَ به، لها يلهُو لهواً والتهى وألهاه ذلك). 
 
الثمرة: عدم صحة الاستدلال على حرمة اللهو بروايات اللهي 
 
إذا ظهر ذلك ظهر ان الاستدلال على حرمة اللهو برواية أو آية تتضمن مادة اللهي، خطأ فأنه استدلال على حكمِ عنوانٍ بحكمِ عنوانٍ آخر نسبته معه من وجه فهو كالاستدلال على حرمة إكرام الطبيب بحرمة إكرام الفاسق لوجود مادة اجتماع لهما وهي الطبيب الفاسق أو الاستدلال على حرمة الذهاب للسوق كعنوان وموضوع من الموضوعات([1]) بحرمة الربا. 
 
وبذلك ظهر عدم تمامية استدلال الشيخ في المكاسب على حرمة اللهو بالروايات الذامة أو المحرمة للهي قال (والأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جداً) ثم قال (ومنها: ما تقدم في روايات القمار من قوله ( عليه السلام ) كُلّما الهى عن ذكر الله فهو الميسر. ومنها قوله ( عليه السلام ) في جواب من خرج في السّفر يطلب الصّيد بالبزاة والصّقور، إنما خرج في لهو لا يقصر). 
 
أقول: الاستدلال بالرواية الثانية تام دون الرواية الأولى فانها تتحدث عن ما ألهى عن ذكر الله وقد لا يكون لهواً كما سبق بل يكون أمراً جاداً كدراسة الفيزياء أو كالتجارة فانها تلهي([2]) عن ذكر الله لكنها ليست بلهو. 
 
على ان (اللهو) هناك من قال بحرمته مطلقاً من الفقهاء ولا نعلم غير الحلي قائلاً به نعم ظاهر عبارة الشيخ الانصاري الإطلاق لكن تقييده اللاحق للموضوع أنتج التفصيل كما سبق، ولا يوجد من حرَّم اللهي مطلقاً بل حتى في الجملة بعنوانه. 
 
وبذلك كله ظهر أيضاً خطأ بعض اللغويين حيث توهم اتحاد الكلمتين، كما هو ظاهر سردهم لمعاني الكلمة (كالمنجد) وكما هو ظاهر عبارات بعضهم كمعجم مقاييس اللغة قال (ولهوت من اللهو، ولهيت عن الشيء إذا تركته لغيره، والقياس واحد وإن تغيّر اللفظ أدنى تغيير). 
 
وقد ظهر ان المعنى مختلف تماماً، كما انه مقتضى الحكمة في وضع الألفاظ، كما يشهد به الارتكاز العرفي واستعمالاتهم فانهم يقولون لهوت بالدف أو المرأة وشبهها مما فيه لذة شهوانية، فيما يقولون التهيت عن (أو لهيت عن) الدرس لانشغالي بالجهاد أو التجارة ولا يقولون لهوت بالدرس عن التجارة. فتدبر 
 
تنبيه: وجوه ضرورة التزام منهج التحقيق الموسع والتدقيق 
 
ظهر مما سبق مدى أهمية استيعاب البحث حول فقه اللغة في كافة العناوين التي أُخذت موضوعاتٍ لأحكام الشارع أو كانت لها مدخلية فيها ككونها شرطاً أو مانعاً أو غير ذلك، بل ظهرت ضرورة استفراغ الوسع في التحقيق والتدقيق في مطلق جهات الحكم والموضوع؛ فإن التحقيق في حقيقة (اللهو) مثلاً من بين محتملات الشيخ الثلاثة وقول الايرواني وهو رابعٌ مغايرٌ، قادنا إلى تحديد موضوع حكم الشارع سعة وضيقاً، كما ان تحقيق الموضوع له للهو وانه غير الموضوع له للهي، ساقنا إلى اختلاف الموضوعين وعدم صحة الاستدلال بروايات اللهي على حرمة اللهو.. 
 
وبشكل عام أقول: ان منهج التحقيق والتدقيق الموسع هام جداً لجهتين: موضوعية وطريقية: 
 
اما الموضوعية: فلأن معرفة حدود الحكم الشرعي هي مسؤولية الفقيه المستنبط للحكم الشرعي ومع عدم الاستيعاب واستفراغ الوسع في تنقيحه فأنه قد لا يعذر الفقيه لو لم يصل لحكم الله تعالى كما انه متجري إن وصل. فتأمل([3]) 
 
أما الطريقية: فلأن التعود والتمرين على التحقيق المستوعب في كل مسألة يُنمي الملكة ويزيد المقدرة على الاستنباط والاجتهاد عند مواجهة أية مسألة مستحدثة أو أية مسألة معقدة تعترض طريق الفقيه الباحث، بل حتى لدى بحث مطلق المسائل. 
 
والحاصل: ان التناول السريع للمسائل وإن نفع في الكثرة الكمية إلا انه قد يكون ضاراً بالجهة الكيفية، على ان لكلٍّ وجهاً. 
 
ويؤكد ما ذكر ان الطالب ليس بمقدوره ان يستوعب دراسة كافة أبواب الفقه في درس الخارج فإن ذلك يستغرق أكثر من مائة عام([4]) فليس له إلا ان يحصل على قوة الملكة وعلى الآلية الأكثر قوة وإتقاناً للاستنباط، خلال عشرة أعوام مثلاً، ليكون بعدها مسلحاً بملكة تُمكّنه من معالجة كل أو أكثر المسائل الفقهية أو الكلامية التي تعترض طريقه، خاصة مع لحاظ كثرة المسائل المستحدثة الاقتصادية والعلمية والفكرية والحقوقية والسياسية والإدارية و... في هذا الزمن، ومع لحاظ كثرة الشبهات المستجدة والأفكار([5]) المطروحة والتي لا يقوم لبعضها([6]) إلا ذو ملكة اجتهادية قوية راسخة. والله المسدد والمستعان 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) أي لا من باب المقدمة الموصلة للربا. 
 
([2]) مطلقاً أو في الجملة. 
 
([3]) إذ قد يكون اجتهاده على التوسعة وعلى كفاية التحقيق بالمقدار المتعارف المنسجم من مختلف المتزاحمات. فتأمل 
 
([4]) فالجواهر مثلاً 43 مجلداً والفقه أكثر من 150 مجلداً ولو أراد الطالب دراسة كل تلك الكتب على نحو البحث الخارج لاستغرق أكثر من مائة عام، على ان كثيراً من المسائل لا تزال غير مبحوثة في الجواهر ولا في الفقه رغم تفصيله!!. 
 
([5]) العلمانية أو اللبرالية أو غيرها. 
 
([6]) أي لا يقدر على مناقشتها وردها رداً علمياً بالمستوى المقنع حتى لأساتذة الجامعات.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1378
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 20 ذو القعدة 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29